غموض مزمن في أرقام التعليم العالي..!. ابراهيم عبدالمجيد القيسي

على صعيد الطاقة الاستيعابية للطلبة الجدد، فجامعاتنا الحكومية؛ كما هي منذ أكثر من 15 عاما، فهي تستوعب حوالي 40 الف طالب جديد في كل عام، وقد سبق وأن كتبت عشرات المقالات خلال هذه الأعوام، وتحدثت عن جمود هذه الطاقة الاستيعابية، وأن التوسع فيها يحتاج إلى «توسعة» في الجامعات، وهذه تتطلب مالا كثيرا بالطبع، علاوة على دراسة جدوى تقوم بها الدولة نفسها، تبحث خلالها عن جدوى تخريج المزيد من الشباب الاردني لأسواق عمل، أصبحت أيضا متجمدة عن التوسع، ومتآكلة، طاردة للعاملين، تتقلص فيها أعداد الفرص.. والذي يجري في جامعاتنا الحكومية منذ عقدين من الزمان، هو محاولة استحداث تخصصات جديدة، برسوم دراسية مرتفعة، حيث يصعب أن تقوم هذه الجامعات برفع رسوم التخصصات القديمة، فبدأت الدولة من خلال مجلس التعليم العالي، توقف التدريس واستقبال طلبة جدد في تخصصات، وتقوم بإلغائها أو تقليص عدد الطلبة المقبولين فيها، بسبب حالة الإشباع والبطالة في مثل هذه التخصصات.
التعليم العالي يواجه تحديات وتعقيدات كثيرة، وهي أساس عدم التقدم بشكل ملموس وسريع في معالجة مشاكل التعليم، وثمة الكثير من الجهود تبذلها الدولة لحل هذه المشاكل، وهناك استراتيجية بل قل استراتيجيات تنتهجها الدولة لبلوغ نتائج أفضل وحلول أكثر نجاعة وتأثيرا.
حول الأرقام المتعلقة بقبول طلبة جدد في جامعاتنا الحكومية، ثمة غموض قديم، حيث يجري بداية كل عام جامعي جديد بالإفصاح عن عدد الطلبة الجدد الذين ستقبلهم الجامعات، وهو عدد ثابت في هذا الخبر، ينطبق مع الطاقة الاستيعابية للجامعات، ولا يوجد تفصيل لهذا الرقم، فهناك معلومة جزئية مهمة لا يجري ذكرها، وهي كم يبلغ عدد الطلبة المقبولين ضمن برنامج التنافس في قائمة القبول الموحد..
أمس صدر الخبر عن عدد الطلبة الجدد، الذين ستسقبلهم الجامعات، وهو حوالي 38 الف طالب وطالبة، وقال الخبر بأنه سيضاف الى هذا العدد عدد من الطلبة، لم يذكره الخبر .
بغض النظر عن التفاصيل الجزئية، ثمة رقم مهول من الطلبة الناجحين، لم يتم تحديد مصيرهم من موضوع الدراسة الجامعية، والرقم يبلغ تقريبا 80 الف طالب وطالبة، فعدد الطلبة الذين نجحوا بالثانوية العامة حوالي 120 الف من أصل حوالي 190 الف طالب وطالبة كان يحق لهم تقديم الامتحان، ولا أستطيع الحسم إن تقدموا جميعهم لكل مواد امتحان الثانوية للعام الماضي.
الأسئلة المتداولة المعروفة والثاوية في حواريات تطوير التعليم، وكذلك التظلمات، تتعلق دوما بهؤلاء الذين تتزايد أعدادعم مع كل عام، تبعا لتزايد عدد السكان الطبيعي، والأسئلة المعروفة : أين يذهبون، وكيف سيدرسون في جامعات، ومن أين لهم بالمال... وكل الإجابات موجودة في جامعات القطاع الخاص وبعض الكليات والمعاهد الحكومية وغير الحكومية..
نحن لا نأتي بجديد حين نكتب هذه المقالة الموسمية، فهناك في ارشيفي على الأقل 20 مقالة تطرح هذه المشكلة كل عام، وبالتساؤلات نفسها، ولا ننكر بالطبع بان جهود الدولة مستمرة، لاستيعاب هذه التحديات والأزمات، ولو لم تكن ثمة جهود لقفزت الأرقام وتراكمت لحدود مثيرة.
ويبقى السؤال يصدح: متى نتجاوز هذه التحديات، ونستطيع القول بأننا طورنا التعليم النظامي والعالي، وأصبح منسجما مع متطلبات سوق العمل، ومتطلبات بناء مستقبل دولة وأجيال؟!