2025-07-12     عدد زوار الموقع: 5987750

دم على المائدة

ترامب هو أول رئيس أمريكي يستطيع، خلال ستة أشهر، أن يقرّب «إسرائيل» أو يبعدها بما يخدم مصالحه، دون أن يخشى أي تبعات سياسية- آرون ميلر، مفاوض أمريكي سابق للسلام.

للمرة الثالثة خلال خمسة أشهر، التقى الرئيس ترامب بمجرم الحرب نتن ياهو، في سابقة لم يحظَ بها أي زعيم في العالم، بما فيهم زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، الذي لم يُستقبل إلا مرة واحدة رغم خوضه حربًا بالوكالة عن حلف الناتو، وُصفت بأنها مصيرية لمستقبل أوروبا. وفي هذا اللقاء الثالث، نال نتن ياهو حظوة تفوق حتى بعض مساعدي الرئيس الذين ينتظرون قرارات مصيرية تتعلق بملفات ملحّة.

روّج ترامب، قبل الاجتماع، لفكرة إعلان وقفٍ لإطلاق النار في غزة، وشاركه نتن ياهو في تسويقها قبيل مغادرته إلى واشنطن. غير أنه ما إن صعد الطائرة حتى أعلن رفضه للهدنة المقترحة لستين يومًا، والتي كانت ستشكل مدخلًا لهدنة دائمة، تشمل انسحاب قوات الاحتلال من غزة، وإدخال المساعدات الأممية. بهذا التصريح، تلاشت الآمال في أن يحمل اللقاء أي انفراج، وهو ما أكده مراسل صحيفة «هآرتس» عامير تيبون، حين كتب أن نتن ياهو يتعمّد استغلال مطالب حماس لعرقلة المفاوضات وربما إفشالها بالكامل.

خلال الاجتماع، لم تكن الأنباء الواردة من الدوحة مبشّرة؛ فالمفاوضات تعثرت، ولا تزال هناك نقاط خلاف جوهرية، أبرزها ملف المساعدات، الذي وصفته حماس بصيغته الحالية بأنه «غير مقبول»، ما استدعى انضمام ويتكوف إلى المحادثات لاحقًا. في الوقت ذاته، أصدر الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، أوامر بإخلاء تسع مناطق في خان يونس، ودفع المدنيين نحو الغرب.

وفي مشهد احتفالي تفوح منه رائحة الدم، اجتمع الرجلان على مائدة عنوانها «الانتصار على الأعداء». نال نتن ياهو من خلالها دفعة انتخابية كبرى، وهو يتحضّر للمعركة المقبلة على صناديق الاقتراع. وكانت أولى الهدايا من واشنطن: طلبٌ رئاسي للقضاء الإسرائيلي بتبرئته من تهم الفساد، في تلميح واضح لربطها بالمساعدات الأمريكية. وفي مشهد عبثي يلامس الكوميديا السوداء، سلّم نتن ياهو، سفّاح الأطفال والنساء، ومهندس أكبر إبادة جماعية في العصر الحديث، رسالة إلى رئيس أمريكي يقود خطة تطهير عرقي معلنة في غزة، يرشّحه فيها لجائزة نوبل للسلام!

ولا تتفاجأ، عزيزي القارئ، إن نالها؛ فقد علّمتنا السنوات الأخيرة أن المستحيل لم يعد كذلك.

وبرأيي، فإن العشاء لم يكن يومًا لبحث وقف إطلاق النار. فالولايات المتحدة، منذ اندلاع الحرب، تحرص على إظهار نفسها كراعٍ للسلام، لامتصاص الغضب العالمي وتحسين صورتها الإنسانية، بينما تواصل تزويد الكيان بالدعم العسكري والسياسي لتغذية آلة القتل.

قلناها منذ الأشهر الأولى: حرب غزة هي حرب أمريكية خالصة، ينفّذها الكيان الصهيوني بزعامة مجرم الحرب نتن ياهو، لتحقيق مصالح واشنطن، من بيع السلاح، والسيطرة على منابع الطاقة، وكبح جماح إيران المتمرّدة، والسعي نحو آسيا الوسطى لمحاصرة الصين، إلى فرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة ومنع تمدد روسيا وبكين.

ولو أراد الرئيس الأمريكي إيقاف المجزرة لفعلها بكبسة زر. غير أن نتن ياهو، حتى اللحظة، فشل في تنفيذ الأهداف التي رسمها له ترامب في فبراير الماضي، وعلى رأسها تهجير سكان غزة.

هذا اللقاء لم يغيّر شيئًا. بل أكد المؤكد: الكيان ليس أكثر من مخلب أمريكي في الشرق الأوسط. واشنطن تفاوض إيران، تصافح الحوثيين، وتتحاور مع حماس دون أن تُشعر «حليفها»، ثم تقصف إيران متى ما شعر الكيان بالخطر.

لكن هذا الدعم ليس بلا مقابل؛ فقد بات واضحًا أن الكيان أضعف من أن يعيش دون المظلّة الأمريكية. لقد تحوّلت عقيدة جيشه من «الردع الكامل» إلى «إضعاف الخصم»، وأصبح ارتهانه لواشنطن تهديدًا وجوديًا له، خصوصًا مع تصاعد تيار انعزالي داخل الولايات المتحدة يدعو لتقليص الدعم.

ولعل أبرز الضربات التي تلقاها الكيان جاءت من مؤسسة «هيريتج» المحافظة، إحدى أبرز داعميه التقليديين، والتي دعت إلى خفض المساعدات تدريجيًا، وصولًا إلى وقفها التام بحلول عام 2047.

حصل نتن ياهو على صورة الزعيم القوي المدعوم من البيت الأبيض، أما ترامب فحوّله إلى خاتم في إصبعه، يحرّكه كما يشاء لخدمة الإمبراطورية، مستغلًا شهوته للسلطة وخضوعه لأفراد حكومته.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

18492 المؤيدين

18263 المعارضين

18199 المحايدين

محايد لا نعم