محطة على الطريق

يتباهى الرئيس الأميركي أنه أنقذ المستعمرة الإسرائيلية، من السقوط والهزيمة، و يعمل لإنقاذ نتنياهو من المحاكمة و الازدراء، فهل تمكن من ذلك؟ هل سيتمكن من تحقيق ذلك؟
لا أحد يقلل من قدرات أميركا وتفوقها العالمي، خاصة وأن روسيا تخوض حرب استنزاف في أوكرانيا، والصين خياراتها غير عسكرية، ولا تلجأ للمواجهة، بل تعمل باتقان على تفوقها و تطورها الاقتصادي.
الولايات المتحدة طالما تقف مع المستعمرة، مع الظلم، مع الاحتلال، وضد حق الشعوب العربية بالكرامة، والاستقلال، وعدم الإذعان، وضد حرية فلسطين واستقلالها، وحق اللاجئين في العودة إلى المدن والقرى التي سبق وطردوا منها، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها، لن تفوز، ولن تكون في الموقع الذي يحظى بالاحترام والمكانة والإنسانية اللائقة. الغنى والثراء، والتطور والتفوق، إذا لم يكن مرتبطا و مسنوداً بالقيم الإنسانية، و يحقق العدالة للبشر لن ينتصر، هكذا كانت بريطانيا وفرنسا وهزمتا مع كافة الدول الاستعمارية أمثالهما، وهكذا كانت نتيجة حرب الولايات المتحدة على الفيتنام.
في فلسطين رغم التفوق الإسرائيلي، وقصفها الهمجي، وحربها المجنونة، وقتلها المتعمد للمدنيين الفلسطينيين، واغتيالاتها المركزة ضد قيادات المقاومة، ولكن فلسطين تنهض وتعمل وتلملم صفوفها وتوجه ضرباتها لقوات عدوها وتحقق نجاحات، قد تكون فردية، قد تكون منظمة، ولكنها تعكس نهوض شعب من أوجاعه، يدفن موتاه من الشهداء، ويواصل خياره، ولا خيار له وأمامه سوى المقاومة، والتصدي للظلم، للاستعمار، للاحتلال، للغزاة الأجانب الذين نهبوا وطنه ولا زالوا، وما يفعلونه في قرى الضفة الفلسطينية والقدس، وحتى في النقب البدوي الفلسطيني لهو النموذج المقدم من المستعمرة، في كيفية التعامل مع أصحاب الأرض، أصحاب الوطن، الذين لم يعُد لهم خيار سوى البقاء والصمود، ومن ثم المقاومة.
يستطيع الرئيس الأميركي تقديم كل المساعدات العسكرية والتكنولوجية والاستخبارية والمالية للمستعمرة، في مواصلة احتلالها وتفوقها وقتلها وتدمير حياة الشعب الفلسطيني، ولكن أميركا لن تستطيع تقديم شرعية البقاء للمحتل المغتصب، ولن يستطيع إملاء الخنوع والاستسلام على الشعب الفلسطيني، وعلى اللبنانيين والسوريين وعلى العرب، والمسلمين والمسيحيين طالما هم على حق، مع فلسطين كما كانت أولى القبلتين للمسلمين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، كما هي للمسيحيين مولد السيد المسيح، وبشاراته وقيامته، كانت ولا تزال وستبقى.
التوصل إلى صفقة وقف إطلاق النار، ليست هدية من الأميركيين، وليست أداة هروب للإسرائيليين، كما هي ليست مجرد رغبة للفلسطينيين، ولكنها نتاج معطيات على الأرض وفي الميدان، حيث أخفقت المستعمرة في تحقيق أهداف حربها، وحيث صمد الفلسطينيون رغم الوجع والألم والقتل والدمار الذي أصابهم.
معركة سياسية انعكاس للمعركة العسكرية، وكلتاهما لن تتوقف، بل هي محطة تراكمية على الطريق، قبلها محطات وبعدها ستكون محطات.