2025-09-08     عدد زوار الموقع: 6076804

الدرب الوعر ابراهيم عبدالمجيد القيسي

من كلمات ووصايا والدي الخالدة في نفسي، تلك التي قالها المرحوم بعبارة واحدة، كشفت لي عمق «غبائي» وتلقائيتي، حين أنهج درب صدق وألهج به، إخلاصا للآخرين وخدمتهم، بينما أنا في الواقع، أصعّب الدنيا على نفسي:
كنت أستقبل إحدى الشخصيات السياسية الأردنية المعروفة، وقد كان الظرف انتخابيا، ودأب ذلك المسؤول المحترم على زيارتي في بيت والدي في القرية، وكانت لوالدي «دكانة» على باب عمارتنا هناك، وفي إحدى زيارات الصديق السياسي لي، وأثناء قيامي بتوديعه، حتى باب سيارته، كان والدي «يغفو» على باب الدكانة، فاستفاق حين سمع أصواتنا، ووجه الكلام لي: ابراهيم؛ مين اللي معك؟! «طبعا هو يعرفه ويعرف والده وكل أهله وأقاربه»، فأجبته: يابا هاظا فلان ابن فلان؟.. فأصر والدي رحمه الله على توصيل رسالته للضيف: منوه فلان، ويش يشتغل! ..فما كان من الضيف «الخلوق» إلا أن ذهب وصافح والدي، وعرفه بنفسه.. ووالدي ما زال متلحفا «عباءته»، وشماغه على وجهه يغطيه بنصف «لثمة».. ثم وجه كلامه لي، ويد الضيف لا تزال تمسك بيد والدي تصافحه، وقال قولته ( آه أبوي النشمي.. سهّل الدرب على الرجال ووعّرها على حالك)!!.
 كانت العبارة جامعة، صادعة، أظهرت لي عدداً من المجلدات غير المكتوبة من سيرتي الذاتي، قرر المرحوم والدي، وكعادته ولغته الخبيرة الحكيمة، المختصرة، أن يهديني سيرة حياتي بعبارة واحدة، ومنذ ذلك اليوم، وهذه العبارة في ذلك الموقف، وعلى تلك الهيئة لوالدي: تجعلني أنهل بلا توقف من حجم براءتي وأخطائي الكبيرة التي كنت أقترفها، فقد كنت لا أهدأ قبل أن أنجز أمرا أعتبره «خدمة» لأولئك الناس، بينما أبوء غالبا بالإنكار.. وما زلت أقع في السقطات نفسها رغم حذري.
الدولة؛ وقبل المجتمع، حتى لا توعّر على نفسها، وعلى الناس، يجب أن لا تتجاوز عن بعض المخالفات والأزمات، لا سيما «الاجتماعية» منها، وتراهن على حكمة الكبار والنخبة، بل يجب أن تتمسك بالقانون، فقد ولى ذلك الزمن الذي كان الناس خلاله يحلون «أكبر مشكلة» خلال جلسة كبار، على فنجان قهوة، حيث كانت مواقف الرجال وتعهداتهم ولغتهم، مدارس مفتوحة لتعليم وتبصير الناس، وتسهيل حيواتهم.
القانون أولا، وفوق كل أولوية، وعدم التمييز بين الفرقاء، وإشراك الدولة عن طريق حكامها الإداريين، في كل ما يتعلق بالناحية الاجتماعية والخلافات، هي الدرس الأول في «تسهيل» الطريق على الأجيال، وتفويت الفرصة على من يريدون أن «يلزونا على الطور»، أو يجعلونا نسلك مسالك وعرة في حياتنا وأمننا واستقرارنا..
كلنا نفهم ونعلم شدة وحساسية وحرج الظروف العامة، وحدة الأزمات، وحجم انتشار الشرور واكتظاظ الدنيا بطلاب الإشاعة، ومحبيها، ونعلم تمام العلم، بأن موقفا واحدا ناقصا، أو ظالما، أو منحازا، أو متناسيا، أو متهاونا، في موقف اجتماعي عام، يفتح بابا لاحتمالات لا تنتهي، سيما وأن الشياطين مهما كانت بعيدة عن حدود الأردن، فهي قريبة، وتلقي بفتنها وشرورها على مرأى ومسمع من الناس كلهم..
لا «توعّروا» الدرب أمام الأردنيين، ولتكن كل إجراءاتكم قانونية ملتزمة بالدولة والقانون، وأغلقوا منافذ وأبواب ودروب الشر.
لا توعروا درب مستقبل الناس والبلاد.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

22163 المؤيدين

21972 المعارضين

21928 المحايدين

محايد لا نعم