2025-08-17     عدد زوار الموقع: 6047005

قـراءة اقـتـصـاديـة فـي التعديل.. الجهد والجدوى

مع كل تشكيل او تعديل وزاري، يكون السؤال التقليدي: من خرج من الحكومة ومن دخل اليها؟ وهو سؤال يربط الحكومة بالاشخاص وبالجهد-على اهمية ان يكون الوزير شخصية لها اسهاماتها الفكرية التي تعرفنا عليه -فيما منطق التحديث يفرض ان يكون السؤال عن كفاءة الاداء وحسن الادارة ونوعية الانجاز وبالذات فيما يتعلق بالاقتصاد الوطني، اي بالجدوى، حيث السؤال الاصح ما العائد المجتمعي من التشكيل/ التعديل وبالذات في جانبه الاقتصادي والمعيشي، وكيف يمكن ان ينعكس على حياة الناس ومستقبل الدولة؟

في الحكومات الحديثة، ينظر الى الوزراء كلاعبين محترفين-لهم حضورهم- ضمن تشكيلة تشبه الى حد بعيد فريقا رياضا يؤدون فيه ادوارا هجومية ودفاعية فردية وجماعية، حيث الوزير الناجح هو اللاعب الشامل الذي يدافع عن الانضباط المؤسسي ويحمي المال العام، ويقدم اداء فعالا، ويربط الموارد بالنتائج، ويتقدم للهجوم بالمبادرة واطلاق المشاريع التنموية، ويلعب دور حارس المرمى في التصدي للهدر، ويقود فريقه الاداري نحو الانسجام والانتاجية.

وكما في الفريق الرياضي لا يكافأ اللاعب لأنه شارك في التشكيلة بل لأنه صنع الفارق في الميدان. كذلك في الحكومة، لا يكافأ الوزير لأنه جلس على الكرسي، بل لأنه حول الوزارة الى فريق منتج، متكامل، ومؤثر اقتصاديا. فإذا لم يفعل، يتم استبداله لإعطاء الفرصة لغيره لتعزيز الاداء وتحقيق نتيجة افضل، خصوصا عندما يكون الفريق لذلك، فتقييم جدوى الاداء كمعيار اساس وليس الجهد المبذول فقط -قد يبذل اللاعب جهدا اكثر من غيره لكن دون عائد فتمريراته مقطوعة وتسديداته ضعيفة وتعاونه مع زملائه مفقود- يجعل من كل وزارة رافعة اقتصادية لا مركز انفاق فقط، ويحول كل وزير الى لاعب شامل وفعال، يدير وزارته كما تدار المشاريع الاستثمارية، بأهداف واضحة، ومؤشرات دقيقة، ومحاسبة على النتائج لا على النوايا.

الرافعة الاقتصادية المفترضة للتعديل الوزاري، اشار اليها تحليل لصندوق النقد الدولي، بين ان التحسين في جودة الانفاق العام خصوصا عند اقترانه بإصلاحات مؤسسية وادارية، يمكن ان يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والاستثمار الخاص. فزيادة الاستثمار الحكومي الفعال بنسبة 1 ٪ من الناتج المحلي يمكن ان تؤدي الى رفع الناتج بنسبة تتجاوز 2 ٪ خلال عامين، وزيادة ثقة المستثمرين واستجابة القطاع الخاص، وهو ما اظهرته تجارب وثقها البنك الدولي عن تحسن كفاءة الادارة الحكومية بعد تغييرات تنظيمية واصلاحية كتلك المرتبطة بالتعديلات الوزارية، ساهمت في تسريع تنفيذ المشاريع، وتحسين الرضا عن الخدمات العامة.

وعليه، ولتوثيق اداء الحكومة بأكملها كرافعة اقتصادية يحتاج الامر لتصميم مؤشر يقيس انجازها كما ونوعا عبر رصد كفاءة الانفاق، اي حجم الانجاز مقابل كل دينار ينفق. الايرادات الذاتية، اي قدرة الوزارة على توليد دخل وتخفيض الاعتماد على الخزينة. الانتاجية الادارية، اي حجم الانتاج او الخدمة مقارنة بعدد الموظفين او الوقت. الابتكار والتطوير، اي عدد المشاريع الجديدة او الخدمات المحسنة او المؤتمتة. تقليل الهدر، اي كم وفرت الوزارة من خلال اعادة الهيكلة او الرقابة على الانفاق. رضا المتعاملين، اي نسبة رضا المواطنين والمستخدمين عن خدمات الوزارة. التأثير العام، اي مدى تأثير سياسات وقرارات الوزارة على قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والعمل، والاستثمار، والخدمات، والنقل، والحماية الاجتماعية.

في عالم متغير، لا يمكن للمؤسسات ان تبقى ساكنة، ولا للوزارات ان تعمل كجزر منفصلة. فالنجاح في الادارة العامة، كما في الرياضة، لا يتحقق بالمهارة الفردية فقط، بل يتطلب تكاملا في الادوار وانسجاما في الرؤية، حيث ان الفريق الذي يفوز ليس بالضرورة من يضم افضل اللاعبين، بل من يحسن توظيفهم وفق خطة واضحة ومسؤوليات موزعة بدقة.

لذلك، لا تكفي النوايا ولا العناوين، بل يجب ان نرى اثر السياسات في حياة الناس، وان يتحول العمل الوزاري الى جهد مؤسسي يقاس بالعائد لا بالحركة والتعديل فقط، لانه ليس تبديل اسماء ولا اعادة توزيع للمناصب، بل استثمار وطني في راس المال الاداري والبشري والمستقبلي للدولة.

التعديل الاخير وان كان يقرأ في سياق رؤية التحديث الاقتصادي، الا انه فرصة لإعادة ضخ روح جديدة في الجهاز التنفيذي، ورفع كفاءة الاداء، وتسريع انجاز البرامج والمشاريع المرتبطة بالرؤية، ودعم النمو، وايجاد فرص عمل، باعتبارها معايير استند عليها من اجل التعديل. وبغير ذلك سيظل عرفا تجاوزه منطق التحديثين السياسي والاقتصادي.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

20898 المؤيدين

20687 المعارضين

20637 المحايدين

محايد لا نعم