وجع فلسطيني غير مسبوق

هل تتوفر جريمة لا يُعاقب عليها القانون، أينما كان لم تُقارفها المستعمرة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني؟:
قتل المدنيين متعمداً، هدم بيوتهم قصداً، تدمير منشآتهم الخدماتية من مستشفيات ومدارس، ومحطات تحلية المياه، ومجمعات توليد الكهرباء، تهجير السكان من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى تفتقد لمقومات المعيشة والخدمة والحياة، قصف المخيمات وأماكن الإيواء، والمصيبة يتم ذلك بشكل علني مرئي تحت الأضواء، وكاميرات الإعلام، بلا خوف أو قلق أو محاسبة، كأننا فعلاً في مجتمع غاب، تسيطر عله المستعمرة وأدواتها ومن معها.
يومياً عمليات القتل والهدم والتهجير، نفهم أن يتم قصف عمارة لأن بها مجرم، مع أن هذا مُحرم، غير مقبول أخلاقياً وقانونياً، ولكن يتم قصف عمارة وسكانها فيها، ويتم تدمير أحياء بكاملها لإفراغها من الناس، سواء بالموت أو الدفن أو الترحيل.
أين هي حقوق الإنسان، قيم العصر، مفاهيم العدالة، التحضر الأوروبي الأميركي، احترام البشر، جميعها غائبة عن طاولة الاهتمامات الدولية، والإنسانية والقانونية، شعب يتعرض للإبادة، للقتل، للتهجير، لفقدان حق الحياة، ومع ذلك يتبجح نتنياهو بالزهو على طاولة الاهتمام الأميركي، ويستقبل في دولة مقر الأمم المتحدة، رغم أنه مطلوب للعدالة الجنائية الدولية.
الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني متواصل، لا يتوقف، والعالم على الأغلب يتفرج، مما يزيد من جموح سلوك المستعمرة الإجرامي، في القتل والهدم والترحيل، فإلى متى يبقى النزيف الفلسطيني مفتوحاً على مصراعيه، وإلى متى يواصل الإجرام الإسرائيلي أفعاله، وإلى متى يبقى العالم أسيراً للنفوذ الأميركي الإسرائيلي ضد الإنسان وكرامته وحقه في الحياة؟؟
نفهم أن هنالك تحولات في المواقف الأوروبية، شعبياً وبعضها رسمياً لصالح فلسطين، وما يقوله وزير الخارجية البريطاني عن معاقبة المستعمرة لهو مهم، خاصة أن بريطانيا هي التي صنعت المستعمرة على أرض فلسطين، وهناك اعترافات أوروبية بالدولة الفلسطينية، وهذا تطور مهم، كما أن المجتمع الأميركي بات أكثر وضوحاً وتفهماً لمعاناة الشعب الفلسطيني والتضامن معه، وأبرزه مشروع انتخاب رئيس بلدية نيويورك المؤيد علناً للشعب الفلسطيني، واجتماعات عربية وإسلامية ودولية، ولكن ذلك كله لم يحقق وقف المجزرة والمأساة بحق المدنيين الفلسطينيين، وإلى وقف إجرام المستعمرة على مواصلة جريمتها اليومية بقتل العشرات من المدنيين وتدمير حياتهم، والتخطيط لتفريغ مدن وأحياء قطاع غزة من سكانها وجعلها لا تصلح للحياة.
مأساة الشعب الفلسطيني كبيرة، وهي بالمعايير العملية والإنسانية والأخلاقية، نكبة ثانية بعد عام 1948، من حيث القتل والتدمير والتهجير وإن كان من داخل وطن الفلسطينيين إلى داخله، كما هو حاصل في القطاع ومخيمات الضفة، ولم تتم إلى خارج فلسطين، أولاً لأن الفلسطينيين صمدوا ويرفضون الرحيل، ولأن البلدان العربية المحيطة بفلسطين ترفض استقبال المهاجرين، ولأن العالم معنوياً لم يقبل ولا يقبل تكرار ما فعلته المستعمرة عام 1948.
كأردنيين قد نكون أكثر الشعوب العربية انحيازاً وتعاطفاً وتفهماً لمعاناة الفلسطينيين بالواقع والمشاهدة والمشاعر، وقد نكون في طليعة الداعمين المباشرين، حماية للأمن الوطني الأردني، وواجباً وطنياً وقومياً ودينياً وإنسانياً، ولكن ذلك يحتاج لجبهات حقيقية داعمة ومساندة حقاً لتخفيف الوجع والألم عن الفلسطينيين، فالوعي بالإسناد والضرورة بالدعم هو المطلوب حتى يتمكن شعب فلسطين تحمل تبعات البقاء والصمود، ومتطلبات النضال حتى ينتزع حقوقه الوطنية على أرض وطنه.