معاملات وخدمات بيروقراطية لا إلكترونية
ابراهيم عبد المجيد القيسي
وأمس أيضا، وفي مؤسسة رسمية ذات اختصاص بالصحة، بالمناسبة «كيف صحتكو ؟»..
رابطت صباح أمس لمدة تزيد عن 4 ساعات، منتظرا انهاء معاملة، فالمراجعة ليست متعلقة بالحالة الصحية والحمد لله، بل هي وثائق رسمية، ومما جعل الامر صعبا هو انتظارك والتزامك بالدور (أنا شخص ملتزم بالتعليمات مهما كانت، طالما التزم بها الآخرون)، وقفت على شباك خدمة، وتوقعت ان لا أنتظر طويلا، فالموظف يعرف ويجيد ما يفعل، لكنه وصل لنقطة قال لي فيها، راجعهم، خليهم يحدثوا معلومات على المنصة، فأجبته وما علاقتي بأية منصة في الدنيا، أليس هذا عمل سيستم وكمبيوتر، وموظف موجود هناك؟.. منذ متى يذهب مواطن ليقول بالله حدثوا معلوماتي؟! وين المنصة وتابعة لمين... وظهر الموضوع بالنسبة لي وكأنه «حزيرة»!
المهم؛ أخيرا وصلت لمسؤول، قال لي نأسف كان يجب تحديثها منذ صدور الكتاب، «يعني قبل أسبوع تقريبا»!، قلنا لا مشكلة، حدثوها من عندكو، وبعد نصف ساعة هاتفته مرة ثانية، فقال إن المنصة ترسل (كود) للجهة التي تطلب تحديثا، للتحقق من الهوية، والموظف الذي يتلقى الكود مجاز!.. وقام بإغلاق هاتفه!!.
وبعد عملية «خاصة»، تم التحديث، فعدنا من الطريق لتلك المؤسسة، فلا مجال لتضييع يوم آخر.. وبدأنا من جديد، وعند الشباك، طالبوني بكشف راتب، فعاودت التواصل مع مؤسستي، وبعد عدة اتصالات، وطول انتظار، وبعد الساعة الواحدة والنصف ربما، وصلتني منه مسج واتساب تحتوي صورة لكشف راتب .. ثم وقفت على ذلك الشباك من جديد، لكن هذه المرة لا يوجد موظف!! .. انتظرت وقتا، ثم تخليت عن كل الالتزامات بالدور والنهج، وتوجهت لمكتب المدير العام، ولم أجده، فذهبت للمسؤول المباشر عن ذلك القسم ذي الشبابيك، التي يتكدس المراجعون عليها وأمامها، عرفني الرجل، ورحب بي، فقلت له لم أحضر لمكتبك شاكيا أحد، لكنني «ودي أروّح ع الدار يا زلمه».. ثم شرحت له الأمر، فأخذ الورق مني، وذهب للمكان، وكان الموظف قد عاد من «تأدية صلاة الظهر».. الله يتقبل.. وبعد عدة كبسات على الكيبورد، حوالي مليونين كبسة، قال لي اذهب الى المحاسب يا أستاذ، واطبع لي على الورق قسيمة الراتب من هاتفك، فقلت له وما علاقتي بالطباعة والورق، وما درجة مصداقية هذه الورقة المسحوبة من هاتفي، ولماذا لا يجري تحميلها من مؤسستنا اليكترونيا، وما هو الشيء الذي طلبتم أصلا تحديثه إن لم يكن فيه معلومات عن راتبي واقتطاعاته، وأين أسحب المسج على ورق.. ومليون سؤال آخر، وأوصاف أطلقتها على سيستم الكمبيوتر في المؤسستين..
ذهبت بعدها للمحاسب، ووقفت طابورا لأدفع مبلغا عرفت مقداره حين حان دوري، فإذا به ديناران وربع، أعطيت المحاسب 5 دنانير فقال : ما فيه فراطة، على الأقل هات ربع فراطة.. قلت له مسامحكوا يا عمي، فضحك وأنهى المعاملة وقال : بعد ما تطبع الورقة، وتحاسب «تبع الكشك»، مر علي واعطيني الربع.. بدي أمشيك لأني شايفك بالقاعة من زمان!.
خرجت للشارع العام، أبحث عن كشك، فيه شخص، معه هاتف خلوي، وله رقم، آخذ رقمه، وأسجله على واتساب الخاص بي، ثم أقوم بإرسال نسخة من الوثيقة غير الرسمية له، ليسحبها على ورقة، وأقوم بدفع 10 قروش له، ثم أحمل الورقة وأعود للشباك الأول، وأن لا أنسى الربع دينار.. خرجت، بحثا، لم أجد الكشك، سألت الناس، ولم أصادف أحدا يعرف كشك تصوير وطباعة بالمنطقة، ثم دلني عامل من الإخوة المصريين على مكتبة، بعيدة حوالي كيلو متر، في طريق ضيق وكله طلوع، فذهبت، وبعد ربع ساعة في المكتبة، دفعت 10 قروش وأخذت الورقة، ثم نزلت ما طلعت.. نزولا.
وعند وصولي للمؤسسة، وجدت الكشك على بابها، يتوارى خلف باص مدرسة يقف هناك، ثم قلت له: وين كاين يا زلمه انت والكشك؟ ولماذا لا يعرف الجمهور عن كشكك؟..
دخلت المؤسسة، قاطعت دور الواقفين على شباك المحاسب، دفعت ربع دينار، ثم ذهبت للشباك الأول، وقاطعت كل الأدوار، فأخذت منه كتابا موجها لمؤسستي، وقال لي الموظف: اختمه، وصدره وخذه لمؤسستك، فقلت له: عدم المؤاخذة ما عندكو تراسل اليكتروني حكومي، فأجاب بالنفي.. دخلت «زقاقا من مكاتب داخل المؤسسة، فوجدت موظفين وموظفات يهمون بمغادرة المكاتب وبعضهم غادر فعلا، ثم استخرجت كتابا من بطن الوحش..
متى يختفي وحش البيروقراطية والورق وتبديد المال والوقت..








