قمة ألاسكا

بغضِّ النظر عمّن اقترح المكان، أكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أم الرئيس فلاديمير بوتين، فإن لقاء الرئيسين في ألاسكا يوم الجمعة المقبل يحمل مدلولات مكانية، إضافةً إلى مدلولاتها السياسية.
ألاسكا التي اشترتها أميركا من روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1867) ليست مكاناً محايداً يلتقي فيه الرئيسان كما كان متوقعاً. ربما أراد الزعيمان أن يظهرا فرص التعاون وآفاقه بين بلديهما في أقصى شمالي الكرة الأرضية كما كان الأمر قبل قيام الاتحاد السوفياتي وبعد الحرب الباردة بين معسكرين كانا يقودانهما.
ربما يفسّر الأمر غضب أوروبا من التطور المفاجئ الذي أعقب لقاء المبعوث الأميركي ويتكوف بالرئيس الروسي الأسبوع الماضي، وأسفر عن إعلان ترمب رغبته في لقاء الرئيس الروسي.
قمة ألاسكا لا تشبه القمم الأميركية السوفياتية أيام الرؤساء كينيدي وريغان ونيكسون مقابل خروتشوف وبريجنيف في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مثلما أنها لا تشبه قمة جورج بوش مع آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي الذي بدأ بالانهيار، غورباتشوف، منتصف عام 1991.
ثمة شيء مختلف هذه المرة. تشعر أوروبا أن الولايات المتحدة تريد التخلّص تدريجياً من أعباء حملتها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدليل موقف الرئيس من المساهمات الأوروبية «المتواضعة» في حلف شمال الأطلسي.
وتشعر كذلك بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولا سيما فيما يخص القضايا الساخنة في العالم، تبتعد بعض الشيء عن السياسات الأوروبية.
أوروبا تستحضر التاريخ والجغرافيا بذريعة الأمن المشترك فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك فإنها تنأى عن السياسة الأميركية في دعمها اللامحدود واللامشروط لحكومة الاحتلال المتطرفة في عدوانها اللاأخلاقي واللاإنساني في فلسطين المحتلة، إضافةً إلى موقفها المختلف، ولو شكلياً، فيما يخص العلاقات مع إيران.
ذهب وزير الخارجية الأميركي روبيو بعيداً، عندما ذكّر أوروبا قبل أيام بأن اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين (وأشار إلى فرنسا تحديداً) هو السبب في «تعنت» الفصائل الفلسطينية ورفضها التوصل إلى صيغة ويتكوف لوقف إطلاق النار.
لكل ما سبق، فقد وضعت أوروبا وأوكرانيا مقترحاً مضاداً للمقترح الروسي الذي ستُعقد على أساسه قمة ألاسكا، والذي يقضي بوقف الحرب في مقابل الاعتراف بسيادة روسيا على أراضٍ كانت تابعة لأوكرانيا قبل الحرب الأخيرة لأسباب تاريخية وعرقية وثقافية.
ورغم أن المسؤولين الأوروبيين الذين تحدثوا إلى الإعلام (وول ستريت جورنال) لم يكشفوا عن هوياتهم، فإن ما نقلته الصحيفة عنهم، حتى وإن كان مجرد مناورة، فإنه جدير بالاهتمام نظراً لانعكاسه على العلاقات الأميركية الأوروبية.
قال الأوروبيون إنه بغض النظر عمّا يحدث في واشنطن، فإن أوروبا ستواصل تزويد أوكرانيا بالسلاح والمال.
يدرك الأوروبيون أن إطالة أمد الحرب مع روسيا، وحتى دون مساندة الولايات المتحدة، لن تكون في مصلحتهم لا على الصعيد الاقتصادي ولا الأمني، لذا فإنهم يرفعون صوتهم أملاً في ألّا تؤدي قمة ألاسكا إلى تفاهم روسي أميركي يتجاوزهم ويعترف بشروط روسيا، وبالتالي هزيمة أوكرانيا.
غير أن قمة ترمب (الذي يطمح لجائزة نوبل للسلام) مع بوتين لا تشبه أيضاً قمته مع رئيسي أذربيجان وأرمينيا التي أعلن خلالها السلام بين البلدين، فهذه القمة الأخيرة لم تكن، حتى بالنسبة لوسائل الإعلام الأميركية، سوى عرض مسرحي عادي.
الضربة الكبرى التي يمكن أن تتلقاها أوروبا هي أن يشارك الرئيس الأوكراني زيلينسكي في القمة، وأن يرضخ للضغط الأميركي، على اعتبار أن الولايات المتحدة، وليس أوروبا، هي من تستطيع ضمان حمايته من الجار الروسي.