الأردن بعد رفع العقوبات: من عبء الأزمة إلى فرصة استراتيجية حسام عايش

آثار اقتصادية واستثمارية وتجارية واسعة لقرار الرئيس ترامب برفع العقوبات، بما فيها العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، الذي منع أي جهة تتعامل مع النظام السوري - ومنها الشركات الأجنبية - من الوصول إلى النظام المالي الأميركي، وشل الاقتصاد السوري تمامًا من خلال قيوده الواسعة على التعاملات الدولية، والشركاء من دول الجوار، ما أعاق التجارة، والاستثمار، والإغاثة.
على الصعيد السوري، سيعيد ربط سوريا بالنظام المالي العالمي، مما يُسهل التحويلات المالية، ويشجع المغتربين السوريين على إعادة توجيه مدخراتهم نحو الاستثمار المحلي. ويسمح بالاستقرار التدريجي في سعر صرف الليرة - التي خسرت ما يقارب 99% من قيمتها منذ بداية الأزمة - خصوصًا مع تدفق العملات الأجنبية عبر الاستثمارات والمساعدات، مما سيدعم احتياطي سوريا، وهو أمر مهم لضبط التضخم، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين. ويزيل الحواجز التجارية، مما سيعيد سوريا إلى سلاسل الإمداد الإقليمية، خاصة مع الأردن.
النتيجة الأبرز لرفع العقوبات ستكون في عملية إعادة الإعمار - حيث تراجع الناتج المحلي بحوالي 84%، وتجاوزت نسبة الفقر 90%، حيث يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التكاليف المالية والاقتصادية السورية بـ 923 مليار دولار بحلول نهاية 2024 - وبالذات في قطاعات الكهرباء، والمياه، والطرق، والموانئ، والمطارات، والبنية التعليمية والصحية والغذائية، والزراعية. أولوية - تراجعت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من 20% إلى 8% فقط، مع معاناة من نقص مدخلات الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج بنحو 300%، ما دفع بأكثر من 50% من السكان إلى الاعتماد على المساعدات الغذائية، خصوصًا مع تدهور البنية التحتية للري بنحو 50% - مما سيوفر فرص عمل أكثر، ويُحفز النمو الاقتصادي المحلي.
الأردن مطالب بإعداد خطة وطنية للاستفادة من رفع العقوبات خلال مدة لا تتجاوز 3 أشهر؛ لأنه سيكون من البوابات اللوجستية الرئيسية لإعادة الإعمار، عبر نقل المواد والمعدات، ومن خلال شركاته في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومن خلال قطاع الطاقة عبر إحياء خط الربط الكهربائي الأردني لسوريا ولبنان، الذي عُطل بسبب العقوبات، أو من خلال قطاع النقل والشحن لديه، أو من خلال التبادل التجاري الأردني السوري الذي وصل قبل الأزمة إلى نحو 635 مليون دولار، وربما تقضي الحاجة إلى رفعه إلى مستوى مليار دولار.
وعليه، من المفيد إقامة وحدة حكومية مختصة بالفرص القائمة والمحتملة لمرحلة ما بعد العقوبات، بحيث تكون معنية بتنسيق المشاريع المشتركة مع سوريا، وتضم ممثلين من القطاعين العام والخاص والقطاع الأهلي، لتحديد الأولويات وتسهيل الاستثمارات.
تقديم تسهيلات للقطاع الخاص، عبر تجميد أي سياسات قد تعيق حركة هذا القطاع، بما في ذلك تقديم إعفاءات جمركية وضريبية مؤقتة للشركات الأردنية التي يمكن أن تعمل في السوق السوري. وإقامة صندوق خاص لتمويل ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تعمل في سوريا.
المبادرة لإعداد خطة اقتصادية أردنية-سورية مشتركة تقوم بوضع خارطة طريق للمشاريع ذات الأولوية، مثل إعادة تأهيل معبر جابر-نصيب ليكون جاهزًا لمرحلة الإعمار، وتطوير البنية التحتية الحدودية، وتزويد السوق السوري بحاجاته من السلع والمنتجات ذات الأولوية.
الاتصال بالدول الخليجية والممولين الدوليين لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، للتعاون لإقامة صندوق إقليمي لإعادة إعمار سوريا، لضمان حصة للشركات الأردنية في العقود.
التفكير في اتفاقية تجارة حرة مع سوريا، تسمح بإقامة منطقة اقتصادية مشتركة على جانبي الحدود الأردنية السورية، تكون بوابة لعلاقات اقتصادية تكاملية، وتسمح بفرص عمل للأردنيين والسوريين.
يكرس رفع العقوبات عن سوريا معادلة اقتصادية إقليمية جديدة؛ عبر إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي الإقليمي، مما يخلق شبكة اقتصادية عابرة للحدود: تتيح لسوريا فرصة التعافي، وللأردن تحويل تحديات الأزمة السورية إلى مكاسب استراتيجية. معادلة تتطلب ذكاء ومرونة في التعامل مع الأدوات التي نملكها، ومع اللاعبين الإقليميين، ومع حاجات الشعب السوري، وتستدعي إدراك التحديات التي تواجهها عملية إعادة الإعمار حتى بعد رفع العقوبات، كالمخاوف من الاستقرار السياسي، وحجم الاستثمارات الضخمة المطلوبة، والمنافسة الإقليمية، والتسييس المحتمل للمساعدات والاستثمارات نفسها.