حكومة جديدة.. ما الذي ننتظره؟ مكرم الطراونة
ها نحن نعيد بناء الأمنيات من جديد؛ حكومة جديدة ومجلس نواب جديد جاء من خلال قانون اقتراع من مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وبعملية اقتراع نالت رضا واستحسان الأكثرية الأردنية.
يأتي رئيس الحكومة المكلف الدكتور جعفر حسان من الدائرة المطلة بشكل واسع على الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه المملكة على مدار السنوات السابقة، خصوصا ما فرضته عليها نزاعات الإقليم، مرورا بجائحة كورونا، والتغير المناخي، إلى غيرها من التحديات التي سحبت الاقتصاد إلى مناطق خطرة، يتعين أن تكون هناك خطط وطنية ناجعة لمواجهتها.
خلال الأعوام القليلة الماضية تضخمت المديونية، ووصلت إلى مديات غير مسبوقة، بحيث أصبحنا مأسورين لخدمات الدين الكبيرة، فيما ظلت اجتهادات الحكومات محصورة بمبدأ الجباية، من خلال فرض مزيد من الضرائب والرسوم على الدخل والسلع والخدمات، من دون أن تقترح أي آفاق بديلة لذلك. لقد تقاعست الحكومات عن التوسع في الإنفاق الرأسمالي كخطوة تأسيسية لرفع أرقام النمو، كما تقاعست عن بناء شراكات حقيقية مع القطاع الخاص، وليس مجرد “كلاشيهات” يتم إعلانها من على المنابر في المناسبات المختلفة.
لذلك، ظلت أرقام النمو متواضعة، ما أسهم في تدني توليد فرص العمل، وهو المطلب الملح اليوم بعد أن وصلت أرقام البطالة إلى مستويات مقلقة بتسجيلها 21.4 %، بينما سجلت بين الشباب أكثر من 46 %، ما يعني أن القوة المحركة للاقتصاد معطلة، الأمر الذي من الصعب معه زيادة حجم الاقتصاد الوطني.
وإذا كنا نتحدث عن خطط إستراتيجية للتعافي الاقتصادي، فمن الصعب إغفال مبدأ “الأمن الغذائي”، والذي يرتبط بملفين حيويين؛ الزراعة والمياه.
إن دعم الزراعة والمزارعين ينبغي أن يكون هدفا أولويا للحكومة، من خلال الإرشاد والدعم والتيسير، وأن نترك الارتجال والقرارات العكسية التي تصب في غير صالح الزراعة، ما جعل المزارعين تحت وطأة الديون الكثيرة، ويسجلون الخسارة تلو الخسارة في المواسم المتعاقبة.
مثل هذه القرارات العشوائية ينبغي أن تكون محسوبة وبعيدة عن الارتجالية، خصوصا أن الأولى هو دعم قطاع المنتجين، وليس التجار.
يجب أن يتم فرض رسوم “حمائية” على المنتجات المستوردة، خصوصا أننا في “الغد” كثيرا ما نشرنا احتجاجات المزارعين على توقيت السماح باستيراد أنواع معينة من الخضار أو الفاكهة بالتزامن مع طرح المنتج المحلي في الأسواق، ما يهبط بالأسعار بشكل كارثي، ويؤدي إلى خسائر فادحة للمزارع.
أما بالنسبة لملف المياه، فقد طفح الكيل، وكل ما نستطيع قوله هو أنه آن الأوان أن تأتي حكومة راشدة قادرة على تنفيذ الناقل الوطني، فبدونه سيظل أمننا مهددا بشكل يصعب وصفه.
الحكومة الجديدة مطالبة، أيضا، بالعمل على تحسين العلاقة مع الشارع، فهناك نسبة كبيرة لم تعدْ تؤمن بأيّ حكومة، وتمتلك نظرة سوداوية متشائمة تجاه عمل الحكومات ككل، مع السياسات الحكومية القائمة على فرض مزيد من الضرائب لسدّ أي طارئ، ما يتحمل معه المواطن المزيد من الأعباء المعيشية، خصوصا أن هذه الزيادات الضريبية لا تعود إليه على شكل خدمات محسّنة، فما يزال المواطن يعاني من نوعية الخدمات في قطاعات التعليم والنقل والصحة، وهي قطاعات حيوية ينبغي للحكومة مراجعتها، ووضع الخطط لتحسينها.
لا بد من إقامة جسور ثقة مع الشارع، فالمعارضة في الأردن تتمحور اليوم حول السياسات الحكومية الداخلية، وهي تريد أن ترى فارقا حقيقيا في الحياة اليومية.
الظرف التاريخي الذي جاءت فيه الحكومة الجديدة ليس سهلا، فهي أمام امتحان حقيقي يتوجب عليها فيه أن تسجل مجموعة من النقاط لكي ترضي الشارع الظامئ إلى أي إنجاز.
إن الملفات السابقة هي ملفات ساخنة تؤرق الأردنيين على مدار الساعة، وأكاد أجزم أن أي إنجاز في واحد منها سيكون مقدرا جدا لدى المواطن، وسوف يتم احتسابه في صالح هذه الحكومة، فقد عانى الأردنيون طويلا من حكومات بطيئة لا تحسن الإنجاز ولا تلمس الأولويات الوطنية.
(الغد)