سلعة الفقر في ديمقراطية السوق
وعلى الرغم من توحّش فلسفة السوق، الساعية دوما لإيجاد مزيد من الأسواق والزبائن وإنتاج المزيد من السلع، وزيادة حالة الاستهلاك، إلا أن الفقراء ما زالوا يعانون الحرمان من الفائدة التي تبدو موازية، ولم يفكر بهم واضعو نظريات حرية مرور السلع عبر الحدود، وتخفيض وقل إزالة التعرفة الجمركية، وذلك حين تتمرد قطاعات اقتصادية بدائية على اتفاقيات التجارة العالمية، وتضغط على حكومات بلدانها، لمنع تدفق السلع للمستهلكين، واحتكار الأسواق لبضائعهم البدائية مرتفعة السعر، قليلة الجودة، وغير القادرة على منافسة المنتجات القادمة عبر الحدود.
نعاني من هذه الحالة في بلداننا، وتحتار الحكومات في إدارة هذه الحالة، فهي من جهة تريد دعم اقتصاداتها المحلية، ومن جهة أخرى تريد المحافظة على التزامها بالاتفاقيات والقوانين التي جعلتها عضوا في هذه الكيانات التجارية الدولية، وفتحت أمامها مساحة أوسع لاستجلاب الدعم والمنح والقروض، لكنها تحتار أكثر في بلد مثل الأردن، حين يطلب منها توفير دعم ما لمواطنيها الفقراء، الذين يطلبون سلعا تناسب قدرتهم المالية، وفي الوقت نفسه على درجة ما من الجودة والحرية بالاختيار.
حين تقرر الحكومات مثلا دعم قطاع كقطاع الملابس، وتؤمن ظروفا مناسبة لاستمرار الاستثمارات في هذا القطاع، تصطدم باتفاقيات التجارة التي وقعت عليها من جهة، وكذلك تتعرض لضفوطات من هذا القطاع وتجاره ومصانعه المحلية، وتتجه كل الاقتراحات والنوايا لحلول غالبا تكون على حساب المستهلكين متواضعي القدرة المالية، وعلى سبيل المثال:
بوجود الإنترنت، وما قدمته من تسهيل للتبادل التجاري، والتجارة عبر الشبكة العنكبوتية، وفرت «ديمقراطية السوق» سلعا بمواصفات يحددها الزبون في أي مكان من العالم، ويقوم بشرائها من المصنع الذي ينتجها ويتواجد في أقاصي الكوكب، وتصله إلى منزله، بالمواصفات المطلوبة، ويتمكن من خلال هذه العملية بتوفير جهد كبير، ومال كثير، مع ضمانات بسلعة مقبولة بالنسبة له.. ويقال بأن حجم البضائع «الملابس» التي تم شراؤها من قبل الأردنيين من الخارج وعبر الانترنت، بلغت أكثر من 250 مليونا هذا العام، وهو أمر لا يتوافق مع سوق الملابس المحلية ووكلاؤها وتجارها ومصانعها، ويطالبون الحكومة بتحديد سقوف للقيمة المالية التي يمكن للمواطن أن ينفقها لشراء ملابس عبر التجارة الإلكترونية، ويطالبون بان تدعمهم الحكومة بإصدار تعليمات وربما تشريعات، تمنع المواطن الفقير من التسوق حسب حاجته وماله و»ذوقه»، كي يضطر لشراء المنتجات المحلية او المستوردة من الخارج عن طريق التجار الكبار، وبشروط ومواصفات وأسعار سوقهم!.
ما يقال عن الملابس يقال عن كل السلع الأخرى تقريبا، فلا يمكن ان يتسوق الشخص ويختار ما يريد عبر الانترنت، لأنه هناك جهات كثيرة تتضرر من مثل هذا النمط من البيع والشراء الحر، القائم على حرية الاختيار والتنافس، ولو كانت الحالة تمثل ظاهرة من الترف المالي والإنفاق «على كماليات»، لهان الأمر وإن كان يحد من حرية الناس، لكن الأمر بالنسبة للفقير بمثابة «طاقة فرج»، فهو وبأقل التكاليف يشتري بضاعة مناسبة وبسعر وجودة مناسبتين، وبثقة كبيرة، مقارنة مع قيامه بشراء ما يريد من السوق المحلية..
يعني المواطن محدود الدخل والقدرة أصبح في نظر السوق مجرد زبون مسلوب الإرادة من حرية الاختيار، وملزم بدفع مال لشراء سلع باهظة الثمن وقليلة الجودة ومحدودة الخيارات، يفوق ما يدفعه لو اشترى حاجته عبر الانترنت، وهذا إجراء يتعارض مع اتقاقيات التجارة الدولية والإلكترونية، وقبله مع حق الفقراء بالعيش بحرية وفق حالتهم المالية.