تخبط سياسي حمادة فراعنة
حالة من الضبابية السياسية تفرض نفسها على المشهد السياسي في فلسطين عموماً، ولدى غزة بشكل خاص، حول السؤال: ماذا بعد وقف إطلاق النار؟ ماذا بشأن المستقبل الفلسطيني؟
الحالة الضبابية مفادها ومصدرها وسببها عدم الحسم في معركة غزة القتالية، فطوال سنتين من الحرب لم تُحسم نتائجها العملية في الميدان، حيث أخفقت المستعمرة في تحقيق هدفيها المعلنين، وهما:
1 - تصفية المقاومة الفلسطينية.
2 - إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من دون عملية تبادل.
أما الهدف الثالث غير المعلن فيتمثل في قتل وتصفية وتقليل وتهجير أهالي قطاع غزة المدنيين بالموت غير الرحيم، عبر القصف الممنهج المقصود لعشرات الآلاف، وتعطيل وإصابة وجرح أكثر من أضعافهم.
كما أخفقت المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربات موجعة لقوات الاحتلال خلال اجتياحها لقطاع غزة، تجعل من رد قوات المستعمرة على عملية 7 أكتوبر مكلفاً عسكرياً وبشرياً.
وحصيلة ذلك أن الطرفين لم يتمكنا من تحقيق نتائج عملية تُسجل الانتصار لأحدهما والهزيمة للطرف الآخر؛ فالإسرائيلي أخفق في أهدافه، ولكنه لم يُهزم ولا يزال يحتل أغلبية مساحة قطاع غزة، والفلسطيني صمد، ولكنه لم يحقق ما كان يتطلع إليه من انتصار على العدو المتفوق.
حالة عدم الحسم دفعت الرئيس الأميركي إلى التدخل لصالح المستعمرة، ففرض قرار وقف إطلاق النار على طرفي الصراع، تجاوبت معه مسرعة حركة حماس لإنقاذ ما تبقى لها من دور ومكانة وفعل على الأرض، حيث أعادت نشر قواتها لحفظ الأمن في قطاع غزة بقرار وموافقة أميركية، بعد أن تجاوبت مع المطلب الأميركي بوقف إطلاق النار، واستجابتها للنصائح التركية والقطرية والمصرية.
نتنياهو وفريقه ليست لهم مصلحة في وقف إطلاق النار لأنهم أوقفوا حربهم على قطاع غزة من دون تحقيق أهدافهم في الحرب، ولكنهم تجاوبوا مع توجهات الرئيس ترامب لوقف إطلاق النار.
خطة الرئيس ترامب نقلت المستعمرة الإسرائيلية من حالة الإخفاق العسكري في الميدان إلى المكسب السياسي، باقتصار الحل على قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى، ومطالبتهم تخلي حماس عن سلاحها، وعدم مشاركتها في إدارة سلطة غزة لاحقاً، وهو بذلك شطب دور منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في رام الله، وعزل الضفة الفلسطينية والقدس عن قضية قطاع غزة، وتحييد الرئيس الفلسطيني عن أي موقع في إدارة القطاع، والعمل على إعادة فتح بوابات التطبيع العربي مع المستعمرة من دون شروط، وربط إعمار غزة بشروط سياسية مجحفة.
غباء قيادة المستعمرة السياسي تمثّل في مسارعتها إلى تشريع قوانين الفرض والسيادة الإسرائيلية على الضفة الفلسطينية، وإلحاق مستعمرات الضفة الأساسية القريبة من القدس ورام الله ونابلس وبيت لحم بخارطة المستعمرة وجعلها جزءاً من سيادتها القانونية، باعتبارها جزءاً من يهودا والسامرة، أي جزءاً من خارطة المستعمرة.
مشروع قانون الكنيست استفز الرئيس الأميركي وطاقمه المؤيد للمستعمرة، استفزهم ليس لأنهم ضد الضم، بل لأن الإسرائيليين استعجلوا في رهانهم، حينما وجدوا أن ترامب وفريقه أكثر انحيازاً لهم من أي إدارة أميركية سابقة.
قرار الضم لدى الكنيست تم تمريره بواقع 25 صوتاً ضد 24 فقط، ورغم أن جزءاً من نواب الليكود صوتوا لصالح القانون، فإن قيادة الليكود، بتوجيه من نتنياهو، أعلنت أن «السيادة الحقيقية لن تتحقق بقانون استعراضي يهدف إلى الإضرار بعلاقاتنا مع واشنطن وبالإنجازات التي تحققت»، وأن ما تفعله حكومة الليكود برئاسة نتنياهو يتم عبر تعزيز «الاستيطان يومياً بالأفعال وبالميزانيات وبالبناء وبالصناعة، وليس بالكلام».
نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الذي يزور المستعمرة، وصف قرار الكنيست بأنه «مناورة سياسية غبية».
وهو يلخص الموقف الأميركي الداعم للمستعمرة والرافض لعملية ضم الضفة الفلسطينية إلى خارطة المستعمرة.








