الأطماع الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط

اللحظة الاخباري -
- الأطماع الصهيونية في الشرق الأوسط: من غموض الحدود إلى مشاريع التوسع الممنهج
- "إسرائيل الكبرى": هل تتجاوز الصهيونية حدود فلسطين التاريخية؟
- وثائق وتحليلات تكشف النوايا التوسعية للحركة الصهيونية في المنطقة
- الاستيطان والمياه والتاريخ: ثلاثية تؤكد مشروع الصهيونية التوسعي في الشرق الأوسط
تُعد الحركة الصهيونية، منذ نشأتها كأيديولوجيا سياسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد ثيودور هرتزل، محوراً لدراسات ونقاشات واسعة حول أهدافها الحقيقية ونطاقها الجغرافي. وبينما يقدم الفكر الصهيوني الرسمي نفسه كمشروع قومي يهدف لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، يرى العديد من المؤرخين والمحللين، خاصة في العالم العربي، أن أطماعها تتجاوز ذلك إلى مشروع توسعي للسيطرة على الأراضي والموارد في قلب الشرق الأوسط. يستند هذا التقرير إلى مصادر ووثائق وتحليلات لتوضيح الأبعاد المختلفة لهذه الأطماع.
غموض الحدود في الفكر الصهيوني المبكر
لم يحدد مؤسسو الصهيونية السياسية، وعلى رأسهم هرتزل في كتابه الشهير "الدولة اليهودية" (1896)، حدوداً جغرافية دقيقة للدولة المقترحة. هذا الغموض، بحسب العديد من المحللين، كان مقصوداً ومرناً للسماح بالتوسع المستقبلي وفقاً للظروف. ففي المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، تم تحديد الهدف بـ "إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام"، دون ترسيم واضح للحدود.
لكن الوثائق اللاحقة كشفت عن طموحات أوسع. ففي رسالة وجهها الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج عام 1919 لعرضها على مؤتمر السلام في باريس، طالب بأن تشمل حدود فلسطين "كل مستقبلها الاقتصادي"، والذي يعتمد بشكل أساسي على مصادر المياه، محدداً نهر الليطاني في لبنان شمالاً، ومنابع نهر الأردن شرقاً، كمصادر حيوية لا يمكن للدولة اليهودية الاستغناء عنها.
عقيدة "أرض إسرائيل الكبرى"
يُعتبر مفهوم "أرض إسرائيل الكبرى" (Eretz Israel Hashlema) أحد أبرز الأدلة التي يسوقها منتقدو المشروع الصهيوني لإثبات طابعه التوسعي. تستند هذه العقيدة إلى تفسيرات دينية لنصوص توراتية، أبرزها ما ورد في "سفر التكوين" (15: 18-21) الذي يَعِدُ نسل إبراهيم بأرض تمتد "من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات".
تبنت هذا المفهوم بشكل خاص "الصهيونية التصحيحية" بقيادة زئيف جابوتنسكي، والتي انبثق عنها لاحقاً حزب الليكود. ورغم أن الصهيونية العمالية، التي أسست دولة إسرائيل، تبنت نهجاً أكثر براغماتية، إلا أن فكرة "الحق التاريخي" في كامل "أرض إسرائيل" بقيت حاضرة.
يظهر ذلك جلياً في تصريحات بعض القادة، حيث يُنسب إلى ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال الإسرائيلي، قوله أمام المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1937: "وحدة أرض إسرائيل في هذا الوقت للأسف ليست حقيقة سياسيّة... لكن لا تنازل عن أي جزء من هذه الأرض". وعند إعلان قيام الدولة عام 1948، امتنعت القيادة الصهيونية عن تحديد حدودها في وثيقة الإعلان، واكتفت بتعريفها كـ "دولة يهودية في أرض إسرائيل"، مما ترك الباب مفتوحاً أمام التوسع مستقبلاً.
السيطرة على الأرض والموارد كاستراتيجية
تُعتبر السياسات المطبقة على الأرض دليلاً عملياً على الأهداف التوسعية، وأهمها:
الاستيطان: تُعد سياسة بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة سابقاً، والجولان السوري) التطبيق العملي لفكرة التوسع. ورغم أن المجتمع الدولي يعتبر هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي، وتحديداً "اتفاقية جنيف الرابعة" (قرار مجلس الأمن 446)، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استمرت في دعمها وتوسيعها، مما يغير الواقع الديموغرافي والجغرافي على الأرض ويجعل من قيام دولة فلسطينية متصلة أمراً شبه مستحيل.
الأطماع في المياه: منذ بدايات المشروع الصهيوني، كانت السيطرة على مصادر المياه العربية هدفاً استراتيجياً، فقد كشفت وثائق تاريخية عن خطط ومشاريع لجر مياه نهري الليطاني والأردن. فبعد احتلال جنوب لبنان عام 1978، أطلقت تل أبيب على عمليتها اسم "عملية الليطاني".
كما أن سيطرتها على مرتفعات الجولان تمنحها تحكماً استراتيجياً في منابع نهر الأردن وبحيرة طبريا، ويسيطر كيان الاحتلال شكل شبه كامل على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، وتخصص الجزء الأكبر منها للمستوطنات والمناطق اليهودية على حساب احتياجات الفلسطينيين.
الرؤية العربية للصهيونية كمشروع استعماري
من منظور عربي، يُنظر إلى الصهيونية كحركة استعمارية إحلالية، لا تختلف في جوهرها عن المشاريع الاستعمارية الأوروبية.
يرى مفكرون عرب، مثل إدوارد سعيد وعبد الوهاب المسيري، أن الصهيونية قامت على تجاهل وجود السكان الأصليين وحقوقهم، وسعت إلى اقتلاعهم وإحلال مستوطنين يهود مكانهم، مع هدف التوسع المستمر للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض والموارد.
ويستشهدون بخطط عسكرية "إسرائيلية" مثل "خطة دالت" (مارس 1948)، التي يصفها مؤرخون "إسرائيليون" جدد مثل إيلان بابيه، بأنها كانت مخططاً ممنهجاً للتطهير العرقي في فلسطين بهدف إقامة دولة يهودية على أكبر مساحة ممكنة وبأقل عدد من السكان العرب.
الأيديولوجيا الصهيونية
إن تحليل الأيديولوجيا الصهيونية، وتصريحات قادتها، وسياساتها العملية على الأرض منذ أكثر من قرن، يقدم صورة معقدة. فبينما يصر المدافعون عنها على أنها حركة تحرر قومي، تقدم الأدلة والوثائق والممارسات الفعلية على الأرض أساساً قوياً للرؤية التي تعتبرها مشروعاً ذا أطماع توسعية في قلب الشرق الأوسط، تهدف إلى فرض هيمنة جغرافية وديموغرافية واقتصادية تتجاوز حدود فلسطين التاريخية.