مسؤولية " إسرائيل" القانونية عن جريمة العدوان على دولة قطر

دكتور مصطفي نصر الله - دكتور القانون الدولي
بشكل مفاجئ نفذت "إسرائيل" عدوان غادر على دولة قطر بهدف إغتيال قادة حركة حماس اثناء عقدهم إجتماعا في منزل رئيس الوفد المفاوض خليل الحية لبحث المقترح الأمريكي لوقف الحررب على غزة .
والحديث هنا ينصب على المسؤولية القانونية لقادة الكيان الاسرائيلي عن هذا الفعل وفق منظور القانون الدولي .
دولة قطر دولة مستقلة منذ العام 1971م وفق القانون الدولي لنشوء الدول، وهي دولة بعضوية كاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ إستقلالها، وبثبوت الشخصية الدولية، لها كامل الحقوق بموجب العضوية . وقد إنضمت قطر إلى عضوية جامعة الدول العربية عام أيضا1971م ، و في عام 1981م إنضمت قطر إلى مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه.
قدمت قطر نفسها للعالم بقدرتها الفائقة على التدخل في حل النزاعات بين الدول بطريق سلمية، وحققت بذلك الكثير من الانجازات، ومنعت تفاقم الكثير من النزاعات، واوقفت العديد من الحروب بالذات التي دارت بين الدول و حركات التحرر( حركات ما دون الدول ) و منها اتفاق المصالحة بين الولايات المتحدة الأمريكية و حركة طالبان الأفغانية الذي عرف (بإتفاق الدوحة) عام 2020م، وعلى إثره توقف نزيم الدم الذي تجاوز عشرات السنوات بين حركة طالبان والامريكان، وأفضى الى الانسحاب الامريكي الشهير ، تحقق هذا بفضل جهود قطر وسياساتها الحكيمة والفاعلة، وقدرتها على استثمار تأثيرها وعلاقاتها بين الشعوب والدول، ةهذا ما ينسحب على حل بعض الصراعات والنزعات العرقية والاثنية في القارة الأفريقية.
و ليس اخر هذه الجهود قيام قطر بدور الوسيط الى جانب مصر بين حركة حماس و "إسرائيل" لوقف حرب الابادة الجماعية التي ترتكبها عصابات الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني بغزة، علماً أن هذا الجهد والعمل الدبلوماسي الذي تقدمه قطر يتم قبول وقبول من الولايات المتحدة الامريكية، و بإعتراف المجتمع الدولي ومنظماته و" اسرائل " ذاتها التي تتواجد وفودها التفاوضية بالدوحة بشكل شبه دائم، وهي تقوم بدورها إنطلاقاً من مسؤوليتها العربية والاسلامية والاخلاقية إتجاه قضايا الأمة .
أما "إسرائيل" جاء نشوئها من قبل عصابات الصهيونية عام 1948م بعد احتلالها للاراضي الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، واحلال قطعان المستوطنين مكانهم ، وتم قبول عضويتها بالامم المتحدة بموجب توصية من مجلس الأمن عام 1949م أي أنها لم تنشأ وفق المعايير الدولية ، ليس لها حدود معترف بها أو معروفة أو محددة، وما زالت تقوم وفق نظرية الإحتلال و التوسع على حساب الدول المجاورة .
فمنذ نشأتها تعاقب على قيادتها عصابات المتطرفين (الهاجاناه و الأرغون ) وقد صدر العديد من القرارات الأممية إعتبار "إسرائيل" دولة محتلة لأرض فلسطين خاصة ما تم إحتلاله بعد عام 1967م، وأصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قراراً بحق قادة "إسرائيل" و هم مطلوبون للعدالة الجنائية الدولية بإعتبارهم مجرموا حرب لإرتكابها جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني .
بعد هذا الإستعراض للمراكز القانونية "إسرائيل" نجد أنفسنا أمام كيان غاصب محتل، لا يتمتع باي شرعية دولية كدولة محبة للسلام، ولا يملك أي أساس قانوني معتبر للأعتراف به كدولة بين الامم المتحضرة ، عاجلا أم آجلا ، سيزول هذا من الوجود، وسيعود المستوطنين من حيث جاءو.
أما دولة قطر فهي دولة مستقرة و مستقلة و باقية و تحظى بإحترام و قبول دولي عالمي و ليس لها أي نزاعات مع أي دولة آخرى، وبمعايير القانون الدولي لا يوجد مقارنة بين دولة قطر وبين كيان غاصب معزول ومنبوذ .
و عليه فإن ما قام به الكيان الصهيوني من عدوان غادر على دولة قطر ليس غريباً ، فهو منسجم مع ما قامت به عصابات الكيان عام 1948 م ، من حادثة إغتيال وسيط الأمم المتحدة السويدي الكونت فولك برنادوت على يد عصابات من المنظمة الصهيونيه، و جاء هذا الإغتيال رداً على إقتراحاته التى وضعت حداً للهجرة اليهودية وقتها، ودعت الى حق اللاجئين الفلسطينين بالعودة، و وضع القدس تحت السيادة العربية ، أي أن أعمال الإغتيالات والغدروالخيانة و الإعتداء على الوسطاء ليس فعل طارىْ على سلوك قادة العصابات الصهيونية، فهو طبع مجبولون عليه ومعروفون به لدى الجميع، ولا يعروفون صديقا او حليف. ( اقتراح باضافة حادثة فندق الملك داوود عام 1946م، واستهداف سفينة يو إس إس ليبرتي عام 1967م ) .
لفهم محاولة إغتيال القادة السياسيين لحركة حماس من قبل الكيان الصهيوني في الدوحة، من الضروري تحليل هذا الفعل ضمن إطار قانوني يستند إلى نصوص القانون الدولي.
لقد وقف رئيس وزراء الكيان أمام الكاميرات ليعلن مسئوليته عن مهاجمة دولة قطر مخالفا بذلك ميثاق الامم المتحدة الماد الثانية الفقرة الرابعة ( يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة ). تنص الفقرة بشكل صريح على حظر أي تهديد أو استخدام للقوة ضد سلامة الأراضي لأي دولة ويُعدّ هذا الحظر قاعدة آمرة لا يمكن انتهاكها، ولا يمكن تبرير خرقها تحت أي ذريعة كانت، وبناءً عليه، فإن أي عمل يستهدف اغتيال القادة السياسيين يُعدّ استخداماً للقوة ضد الدولة المضيفة ، ويمثل خرقاً واضحاً للميثاق .
كذلك، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1973م بشأن منع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المحميين دولياً، بمن فيهم المسؤولين السياسيين، تُجرّم في مادتها الثانية أي محاولة اعتداء، أو التهديد به، أو المشاركة فيه، ضد هؤلاء الأشخاص. وتظل هذه الاتفاقية قابلة للتطبيق حتى في زمن النزاعات المسلحة، لأن الوضع الخاص للأشخاص المحميين يمنحهم درعاً قانونياً مضاعفاً.
كما أن القانون الدولي العرفي، مدعوماً بأحكام محكمة العدل الدولية واضحا في هذا الصدد، ففي القضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة عام 1986م ، أكدت المحكمة أن مبدأ حظر استخدام القوة قد ترسّخ وأن انتهاكه يترتب عليه مسؤولية دولية حتى في غياب الاتفاقيات المكتوبة، ويُشكّل هذا الحكم أساساً قانونياً لتكييف أفعال الكيان الصهيوني على أنها انتهاك لقواعد القانون الدولي.
وتُجرّم اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1999م لقمع تمويل الإرهاب، في مادتها الثانية، تقديم أي دعم مادي أو معنوي للأعمال الإرهابية. وان محاولة اغتيال القادة السياسيين، الذي يهدف إلى بثّ الرعب في البنية السياسية للدولة وحركة حماس يتطابق بشكل كامل مع تعريف هذه الاتفاقية للإرهاب. وهذا ما يجعل الكيان الصهيوني مسؤولاً، ليس فقط تجاه قطر وحركة حماس ، بل أيضاً تجاه المجتمع الدولي .
أما البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف عام 1977م ، يحظر في مادته (51/2) أي هجوم على المدنيين. وعلى الرغم من إمكانية الإدعاء بأن القادة السياسيين قد يكونون أهدافاً عسكرية مشروعة بسبب مناصبهم، إلا أن هذا الادعاء لا يصح إلا إذا كان القائد المعني منخرطاً بشكل مباشر في النزاع، أي ليس قائدا عسكريا في ميدان المعركة، وفي غير هذه الحالة، يُعدّ ذلك انتهاكاً لمبدأ التمييز في قانون النزاعات المسلحة .
وعليه فإن ما قام به رئيس وزراء الكيان يمثل انتهاكاً واضحاً لقواعد القانون الدولي، وميثاق الامم المتحدة، وقواعد القانون الدولي الانساني، واتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية الاشخاص المدنين، ولا يجوز استهدافهم أو تعريض حياتهم للخطر، وكذلك مهاجمة الأعيان المدنية، ومساكن الآمنين، خلافا لما قام به الكيان عندما تعذر باستهداف قادة الوفد المفاوض لحركة حماس ، وتم استهداف مكان سكنهم وعائلاتهم .
نحن امام عقد قمة عربية اسلامية طارئة خلال الايام القادمة في قطر، ومطلوب أن يصدر من هذه القمة خطوات عملية بحق الكيان، كأن يصدر قرار بمقاطعة دولة الكيان، واغلاق جميع سفارته ومكاتبه في جميع الدول العربية والاسلامية، وتعليق أي تعامل سياسي واقتصادي مع هذا الكيان، ومن الضروري أن يجمع المجتمعون على قرار تعليق عضوية " اسرائيل " في الجمعية العامة للامم المتحدة باعتبارها فقدت أحد شروط انضمامها، وأهم هذه الشروط أن العضوية في الأمم المتحدة تكون للدول المحبة للسلام، وليست لكيانات وعصابات تمارس ارهاب الدولة بحق الدول المستقلة والمستقرة، وأيضا من الضروري أن يصدر عن القمة قرار بطلب من أجهزة الأمم المتحدة تعليق عضوية الكيان بهذه الأجهزة، وأيضا فصل الكيان من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، باعتباره كيان يمارس أشد الانتهاكات بحق الانسانية .
وتستطيع القمة ان تقرر التوجه للمحكمة الجنائة الدولية، ودعم دولة قطر في جهودها القانونية بذلك، ومطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية ملاحقة قادة الكيان الصهيوني السياسيين والعسكريين على حد سواء، وكذلك ضرورة التحرك تجاه محكمة العدل الدولية، ومن المهم أن يصدر قرار بوقف معاهدات السلام مع دولة الكيان وهي اتفاقية كامب ديفد واتفاقية وادي عربة، وكذلك ما يعرف بمعاهدات ابراهام التي عقدت مع بعض دول الخليج العربي، وإعلان الغائها، والطلب من الدول التي تتعامل بها وقف أي تنفيذ لهذه المعاهدة. وكذلك ملاحقة جنود الكيان مزدوجي الجنسية ملاحقتهم قضائيا من قبل الدول التي يحملون جنسيتها .
إذا لم تقف الدول العربية والإسلامية موقفا موحدا وقويا يلجم غطرسة وعدوان الكيان، لن يسلم أحد من هذه الغطرسة.
تابع الجميع جلسة مجلس الأمن الطاريئة التي عقدت مساء الخميس 11 أيلول ما صدر عن المندوب الاسرائيلي من تهديد مباشر لجميع الدول، وأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن كيانه سيستمر في عدوانه وحربه بحجة محاربة الارهاب، وأصبح من الضروري تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي والاسلامي المشترك ضد هذا الكيان لحماية السلام العالمي من التهديد الذي يمارسة قادة الكيان الصهيوني .