2025-09-02     عدد زوار الموقع: 6069785

من ممالك الطوائف إلى مدن الطاعة لما جمال العبسه

في القرن الحادي عشر انهارت الخلافة الأموية في الأندلس، حينها لم يكن سقوطها حدثا سياسيا مجردا، لكنه كان بداية مرحلة من التشرذم عُرفت وقتها بـ»ممالك الطوائف» التي كونت دويلات متناحرة فيما بينها، يحكمها أمراء محليون ويدفعون الجزية مقابل البقاء في السلطة، وكانت كل مدينة تُدار كإقطاعية، وكل أمير يطلب الحماية من قشتالة .

في التاريخ، لا تموت النماذج السياسية، بل تُعاد صياغتها بلغة جديدة، وما مضى إنما هو تحذير حقيقي من مستقبل يُراد له أن يُفرض على الضفة الغربية اليوم، وهذا مخطط حكومة العدو الصهيوني الفاشية، الذي يحظى بدعم أميركي معلن، وهو بالمناسبة لا يكتفي بضم الأراضي، بل يسعى إلى إعادة تشكيل البنية السياسية الفلسطينية على أساس التفكك الداخلي، مدن كبرى تُدار من قبل «عائلات» أو «نخب محلية» ، متناحرة فيما بينها، وتُمنح هامشا من السلطة مقابل الولاء الأمني والسياسي، اي إنها ليست إدارة ذاتية، بل تفويض مشروط، يُعيد إنتاج الطاعة تحت غطاء السيادة الشكلية.

النموذج الصهيوني المطروح يسعى وبسرعة كبيرة لتفكيك المركز وتدجين الأطراف، واتخذ طريقا واضحا لتحقيق هذا الهدف ابتداء من إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني عبر تحويله إلى شبكة من السلطات المحلية المتنافسة، ومن ثم اضفاء شرعية على الاحتلال من خلال وكلاء محليين يُمنحون شرعية اجتماعية مقابل ضبط الأمن، وصولا الى ما يحلمون به وهو تحويل مفهوم وقيمة المقاومة إلى نزاع داخلي، بحيث تُستنزف الطاقات في صراعات بين المدن والعائلات، لا في مواجهة الاحتلال، اي اعادة انتاج ممالك الطوائف، ولكن بلغة أمنية واقتصادية حديثة. وكما كانت طليطلة وإشبيلية وغرناطة تتناحر تحت أعين قشتالة، يُراد اليوم من نابلس ورام الله والخليل أن تتنازع تحت سقف التنسيق الأمني، لا تحت راية التحرر، وان تحتمي بدولة الكيان، ومعها تنتهي القضية الفلسطينية وحق الفلسطيني لاجيال متتالية.

هذا الامر له أبعاد خطيرة للغاية وحكومة الكيان الصهيوني تدرك مدى خطورته على الداخل الفلسطيني وعلى القضية وتوظفها لمصلحتها الهشة، فبعد تحقيق هدف ضياع المشروع الوطني الفلسطيني وشرعنة الاحتلال، يأتي الامر الذي كان سابقا غاية في الصعوبة وبنظرهم فان مملكة الطوائف ستساعدهم على تحقيقه وهو تآكل الهوية الجماعية الفلسطينية، كما تآكلت الهوية الإسلامية في الأندلس تحت ضغط التناحر، من خلال التفتت الثقافي والسياسي، وهذا بنظرهم سهل الوصول اليه ضمن حل مشروع التحرير.

حين توحدت ممالك الطوائف تحت راية المرابطين، استعاد المسلمون زمام المبادرة، ولو مؤقتا، واليوم، لا بد من مشروع وطني فلسطيني يعيد الاعتبار للمركز، ويُعيد تعريف العلاقة بين المحلي والوطني، بين السلطة والمقاومة، بين السيادة والكرامة.

إن مواجهة هذا النموذج لا تكون بالرفض الخطابي، بل بإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس الوحدة، والعدالة، والمقاومة الذكية، فالتاريخ لا يرحم من يُعيد أخطاءه، ولا يُنقذ من يراهن على رضا المحتل.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

21823 المؤيدين

21635 المعارضين

21595 المحايدين

محايد لا نعم