2024-12-21     عدد زوار الموقع: 5156045

‏هذه الاستعراضات لا تحدث إلا في الأردن

تصور(!)، لدينا في الأردن (إخوان مسلمون) يحتشدون في الشارع للاحتفال بذكرى تأسيس حماس ولا يتحركون للاحتفال بأي مناسبة وطنية، لدينا يساريون من مختلف الاطياف ما زالوا يصفقون لصدام والأسد ولا تسعفهم ذاكرتهم باستدعاء رموزنا الوطنية للاعتزاز بها، تصور، أيضا، لدينا طبقة سياسية بارعة في التحول من مقاعد البيروقراطية إلى مقاعد المعارضة الشرسة، وجاهزة، دائما، للتنصل من دورها ومسؤوليتها، ثم تحميل من يأتي بعدها كل الأخطاء والخيبات التي ساهمت بها.

‏لا يوجد دولة في العالم مطلوب منها أن تختزل مصالحها، وتربط مصيرها بقضايا الآخرين كما يحصل لدينا، باسم الدين أو العروبة يدفع بعض الأردنيين الذين يتصدرون المشهد السياسي أو الإعلامي نحو اعتبار بلدنا وكيلا حصريا، يتحمل أخطاء العرب وينوب عنهم في تسديد فواتيرهم، وحتى حين يفعل ذلك -وفق إمكانياته المتاحة- يُواجه بالنكران، أو يُتهم بالتقصير، لم يقدم أحد في العام المنصرف لأهل غزة وفلسطين مثلما قدم الأردن، لكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد سمعناها على ألسنة الذين يقايضون الدولة بمدّ يدهم إليها (وكأنهم ندّ لها) بما نخجل من تكراره.

‏أتساءل فقط : هل يوجد في أي بلد عربي طبقة سياسية تجاهر بانتمائها إلى الأردن، أو ان جذورها تمتد إليه، أو أنها تضع مصالحه أولوية لها، او تقيم المهرجانات احتفالا برموزه ومناسباته الوطنية؟ هل سمعت أن حزبا أو تنظيما، في أي دولة عربية، ينتسب إلى الأردن أو إلى أي رمز أو مفكر أردني؟ لماذا، إذاً، يحاول البعض (تصغير أكتافنا) من خلال استيراد ما يلزم من مسميات الأحزاب، أو الالتصاق أكثر بقضايا بلدان أخرى، والإشادة بتاريخهم وتجاربهم على حساب بلدنا وتاريخه ونضالات أبنائه وقضاياه ومصالحه وأولوياته، لماذا يفعلون ذلك وكأن الأردن مقطوع من التاريخ، ومن الرموز والسيادة الوطنية، ولا يوجد له دولة حديثة مستقلة وناجزة؟

‏كل المرجعيات التي ما زال الأردنيون يستندون إليها ويفضلونها على منتجات بلدهم، انتهت أو تراجعت أو أصبحت عبئاً على أبناء بلدانها، بعدما أغرقتهم بالظلم والاستبداد والفشل والسجون ؛ انظر ماذا حدث في مصر بعد عبد الناصر، وعراق صدام وما بعده، وسوريا الأسد والتنظيمات الإسلامية القائمة، والفصائل الفلسطينية وتحولاتها، معقول ما زال البعض في بلدنا يستند إليها ويناضل في إطارها، ويستعيد أمجادها، ويحاول أن يلهمنا بإنجازاتها العظيمة، معقول أن يعتز البعض لدينا بتنظيمات أورثت بلدانها الدمار والخراب ولا تستحق الدولة التي يعيش فيها مجرد اعتراف بإنجازاتها، أو احتفال برموزها، أو انتماء حقيقي لقضاياها، هؤلاء، للأسف، يدافعون عن كل فكرة أو تنظيم أو دولة، وحين يُذكر الأردن يلوذون بالصمت، او يمدون ألسنتهم ويحوقلون.

‏صحيح، نحن جزء من أمة عربية عظيمة، نعتز بانتمائنا إليها، ونشترك معها في الهدف المصير، لكن نحن، قبل ذلك وبعده، دولة اسمها الأردن، فيها شعب ولها تاريخ يمتد لآلاف السنين، صمدت وأنجزت، وحافظت على مبادئها، حان الوقت لكي ينتظم الجميع في إطارها، بعيدا عن البحث عن عرائش أخرى تصلح للتسلق على الجدران، أو لافتات مشوهة قادت أصحابها إلى المجهول، أو حسابات سياسية لا نتيجة لها سوى الانقسام، ومزيد من الهزائم.

نعم، حان الوقت لكي نتحدث، كأردنيين، بصوت واحد ونعبّر عن هوية واحدة، تميزنا وترسخ داخلنا قيمة الوطن الأردني الذي لا يحتاج لأسماء أخرى لكي يستعيرها، أو قضايا بائدة تثبت عروبته، أو خطابات دينية تتحدث باسم الله، وتريد أن تمنحنا عباءة الإيمان، والدليل إلى النجاة.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

6695 المؤيدين

6185 المعارضين

6261 المحايدين

محايد لا نعم