الحكومة بين الوعد والتنفيذ…. متى تُرفع سحابة الدخان عن سماء المملكة؟

-اللحظة الأخباري
د.امين ابو هزيم
لماذا القرار بمنع الأرجيلة لا يزال حبرًا على ورق؟
"في خطوة كانت مُرحَّبًا بها كبداية لإنقاذ الصحة العامة، أعلنت الحكومة الأردنية عن قرار بمنع تدخين الأرجيلة في المقاهي، وذلك في محاولة للحد من الأضرار الصحية والبيئية التي تسببها هذه العادة المنتشرة. ولكن، وبعد مرور وقت ليس بالقصير، يبدو أن القرار قد تحوَّل إلى مجرد وعود ورقية، بينما تستمر المقاهي في انتهاك الصحة العامة دون أي رادع حقيقي. فلماذا لا تزال سحابة الدخان الكثيفة تخيم على مقاهي الأردن؟ ولماذا تتهاون الجهات المعنية في تطبيق قرار كان من المفترض أن يكون خطوة جريئة نحو حماية المواطنين ونسأل: متى ستتحرك الحكومة لتنفيذ ما وعدت به؟"
قانون 2008 خطوة مهمة نحو تحسين صحة المجتمع الأردني. تطبيق هذا القانون بشكل فعال يُعتبر تحديًا كبيرًا. هناك العديد من الأسباب التي تُفسّر عدم التطبيق الفعال لقانون منع التدخين في الأردن
ينص قانون الصحة العامة الأردني رقم (11) المعدل عام 2017 على فرض عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن شهر ولا تتجاوز ثلاثة أشهر، أو غرامة مالية تتراوح بين مائة دينار (140 دولاراً) ومئتي دينار (280 دولاراً) على كل من يدخن أي من منتجات التبغ في الأماكن العامة المحظور التدخين فيها. كما يُعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر، أو بغرامة تتراوح بين ألف دينار (1400 دولار) وثلاثة آلاف دينار (4200 دولار) المسؤول عن المكان العام الذي يسمح بالتدخين فيه، أو الذي لا يعلن عن منع التدخين، بالإضافة إلى نفس العقوبة لمن يبيع السجائر للأشخاص دون سن الثامنة عشرة. كما يُعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر، مع غرامة مالية تتراوح بين ألف دينار وثلاثة آلاف دينار، كل من يدخن أي من منتجات التبغ في دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس في القطاعين العام والخاص، أو من يسمح بذلك.
من أسباب عدم التطبيق الفعال لقانون منع التدخين في الأردن هو عدم وجود إجراءات فعالة بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في الوعي بالآثار الصحية للتدخين
وبحسب الأرقام الصادرة عن المنظمة وعن وزارة الصحة الأردنية مؤخرا، يستهلك 82 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة النيكوتين بشكل ما، ويدخن 66 في المئة منهم التبغ.
كما يدخن 16,5 في المئة من السكان السجائر الإلكترونية، بينما يدخن 58,9 في المئة من السكان التبغ بشكل يومي.
وتبلغ نسبة المدخنات نحو 17 في المئة من عدد السكان.
تشير تجارب دولية إلى أن تطبيق قوانين صارمة لمنع التدخين في الأماكن العامة أدى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات التدخين. على سبيل المثال، في دول الاتحاد الأوروبي، ساهمت هذه القوانين في خفض معدلات التدخين بنسبة تصل إلى 30% خلال عقد من الزمن
انخفاض معدلات التدخين في أوروبا لم يكن مصادفة، بل نتيجة لتطبيق صارم للقوانين. نأمل أن تحذو الدول الأخرى، بما في ذلك الأردن، حذو هذه التجربة، يُعتبر هذا القرار اختباراً لقدرة الأردن على مواجهة التحديات المعقدة التي تجمع بين الصحة والاقتصاد، مع الحفاظ على استقرار المجتمع ورفاهيته
دقت دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر حيال إقبال الأردنيين على "التدخين بشراهة" ووفق معدلات إنفاق مرتفعة قياساً بإنفاقهم على الغذاء.
ذكرت المنظمة العالمية أن الأسرة الأردنية تنفق شهرياً على التدخين أكثر مما تنفقه على الغذاء، حيث بلغ متوسط المصاريف الشهرية لشراء السجائر أو أنواع التبغ الأخرى أكثر من 150 دولاراً لكل فرد، مقارنة بـ 36 دولاراً للفواكه و58 دولاراً للألبان والبيض وحوالي 70 دولاراً للحوم والدواجن
وفي الوقت الذي صنفت فيه منظمة الصحة العالمية الأردن كأعلى دولة في العالم من حيث انتشار التدخين، تجاوزت إيرادات الحكومة من ضرائب التبغ والسجائر مليار دولار في عام 2021، مما يدل على أن هذه التجارة تشكل مصدراً مهماً وعظيماً للإيرادات في ظل ارتفاع المديونية العامة سنوياً.
وعلى رغم الإقرار بأن التدخين يعد سبباً رئيساً للأمراض القلبية الوعائية وأمراض الجهاز التنفسي وأكثر من 20 نوعاً مختلفاً أو فرعياً من السرطان، يتهم مراقبون الحكومة بأنها تتقاعس عن مكافحة التدخين وآثاره على الصحة العامة، مما جعل المملكة في المرتبة الأولى عالمياً في هذه الأفة.
ويقول متخصصون إن عمان لا تطبق بصرامة بنود الاتفاق الإطاري الذي وقع وصادق عليه الأردن في 2004 والذي يحتوي الاستراتيجيات الست التي وضعتها الأمم المتحدة لخفض نسب التدخين في البلاد. كما أن التزام تطبيق وفرض قانون الصحة العامة رقم 47 الذي أقره الأردن عام 2008 والذي يؤكد حظر التدخين في الأماكن العامة ضعيف جداً، فضلاً عن تنامي صناعة التبغ والدعاية لها على نحو واسع.
في المقابل تذكر الحكومة أنها تقدم التمويل والدعم لبرامج الإقلاع عن التدخين وأنها مستمرة في دعمها على رغم حدوث تخفيضات للموازنة حدت من فاعلية هذه البرامج.
بلغة الأرقام يفقد أردني من بين كل خمسة حياته بسبب التدخين، فيما يبلغ مجموع الضحايا سنوياً نحو 9 آلاف نتيجة أمراض يتسبب بها التدخين.
وعلى رغم فرض قانون الصحة العامة غرامة على المدخنين في الأماكن العامة تتراوح ما بين 150 إلى 250 دولاراً و5 آلاف دولار على المنشآت، فضلاً عن عقوبة الحبس لمدة ثلاثة أشهر، إلا أن ذلك لم يمنع من ازدياد الإقبال على التدخين، بخاصة في ظل جائحة كورونا. فبعد نحو عامين من إعلان وزارة الصحة الأردنية حظر التدخين بأشكاله كافة في الأماكن العامة المغلقة بنسبة 100 في المئة، عادت الأمور إلى ما كانت عليه.
رسالة واضحة للحكومة: لا مجال للتراجع
قرار منع الأرجيلة في المقاهي ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو خطوة وطنية جريئة تعكس أولويات الدولة. الأردنيون يدركون أهمية هذا القرار ويتطلعون إلى تطبيقه بحزم. الرسالة اليوم واضحة: لا مجال للتراجع أو المساومة على صحة المواطنين
لقد تأخرنا بما فيه الكفاية، والوقت الآن للتنفيذ وليس للتردد. صحة المواطن الأردني ليست مجرد خيار، بل هي التزام وطني لا يقبل التأجيل. على الجميع أن يدرك أن حماية الصحة العامة مسؤولية مشتركة،
"في النهاية، يبقى السؤال الأكبر معلقًا في الهواء مثل دخان الأرجيلة الذي لم يتوقف: إلى متى ستستمر هذه المماطلة في تطبيق قرار منع الأرجيلة؟ القرار كان بمثابة بصيص أمل لتحسين الصحة العامة وحماية المواطنين من أضرار التدخين السلبي، لكنه تحوّل إلى مجرد كلمات تتردد في المؤتمرات الصحفية دون أي فعل على أرض الواقع. الحكومة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحمل مسؤولياتها واتخاذ إجراءات حاسمة لإنفاذ القرار، لأن كل يوم يمر دون تطبيقه هو يوم يُهدر فيه صحة المواطنين ويُضعف مصداقية القرارات الرسمية. السكوت والتراخي لم يعودا خيارًا، فالصحة العامة ليست رفاهية، بل هي حق أساسي لا يجوز المساومة عليه."