2025-07-03     عدد زوار الموقع: 5975334

رؤية تحديث الفكر الاقتصادي

تعكس القرارات المتتابعة، وآخرها تخفيض الضرائب العامة والخاصة على السيارات، تجاوز الحكومة مبدأ المفاضلة بين العائد الاقتصادي والكلفة المحاسبية؛ نحو مفاضلة قوامها اولوية التحفيزي الاقتصادي بنكهة اجتماعية، فهل يعني ذلك اننا بصدد هوية فكرية اقتصادية جديدة للحكومة، تتجاوز منطق القرار الآني إلى فلسفة اقتصادية متكاملة؟
 يمكن القول اننا امام ملامح هوية فكرية جديدة بالفعل، هوية تركز على اولوية النمو، وهو ما تظهره نتيجة الربع الاول من العام الحالي الذي حقق نموا عند 2.7% يزيد بنصف نقطة مئوية عن الربع المقابل من العام2024- باعتبار ان توسيع القاعدة الإنتاجية، وتحفيز الاسواق، السبيل الامثل لتحسين الايرادات على المدى الطويل.
 هوية تعيد بها الحكومة ترتيب أولويات الاصلاح، معتبرة ان الإصلاح الهيكلي سابق للإصلاح المالي- لان الإصلاح المالي بدون الهيكلي بناء على اساس ضعيف- فمعالجة التشوهات في قطاعات مثل السيارات والعقار والزراعة والصناعة والاستثمار، وقطاعات الانتاج، وتقليل الأعباء على المواطنين خاصة الطبقة المتوسطة، اولوية تفوق اولوية فرض إجراءات مالية تقليدية كرفع الضرائب، او تقليص الإنفاق.
 وانطلاقا من هذا التوجه، رأينا الحكومة، تنتقل من الضغط الضريبي إلى الحوافز، بما يوفر بيئة اعمال اكثر استقرارا وتشجيعا للاستثمار اللامركزي النوعي لا الكمي، وتطوير المناطق التنموية، وإعفاء مدخلات الإنتاج، والتركيز على المحافظات، و بناء علاقة مؤسسية بين المواطن والخزينة تظهرها التسويات الضريبية، والإعفاء من الغرامات، ما يشكل بيئة أكثر استقرارا ودعما للأنشطة الاقتصادية.
 ولأن السياسات الاقتصادية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية، فإن الهوية الجديدة، تاخذ بالاعتبار تكامل البعدين الاجتماعي والاقتصادي في قراراتها وخططها كزيادة مخصصات الحماية الاجتماعية، ودعم الطلاب، وتخفيف الأعباء المعيشية، ما يظهر شكلا من التوازن بين العدالة الاجتماعية والتحفيز الداخلي لتحريك الاقتصاد ورفع قدرته على التكيف مع المستجدات، كبديل عن الاعتماد على التمويل والمنح الخارجية.
 أيضاً تظهر الهوية الفكرية الجديدة، نهجاً أكثر حاكمية في إدارة الالتزامات المالية الحكومية، عبر الوفاء بها بدل ترحيلها، ما يساهم في ادارة شفافة للدين حتى لو بدا ذلك مكلفا على المدى القصير، في مقابل استقرار مالي اكبر على المدى البعيد، ما يعكس سياسات مترابطة لا القرارات مجتزأة، عبر تزامنها في اكثر من قطاع، إدراكا لاهمية الربط بين الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتحفيزية كحزمة واحدة، وليس إجراءات معزولة.
 الهوية الفكرية الاقتصادية الحكومية الجديدة، لا تستند لضرورة التوجه نحو سياسات مترابطة ومتزامنة في أكثر من قطاع فقط؛ بل تعد استجابة ضرورية للتحديات الهيكلية المتزايدة التي يواجهها الاقتصاد الوطني، من ارتفاع المديونية، واستمرار عجز الموازنة، ومعدلات البطالة المرتفعة، وضغوط المتغيرات الإقليمية والدولية، ومتطلبات برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي؛ التي تفرض إصلاحات ضمن اطر زمنية محددة، والحاجة الى فلسفة اقتصادية اجتماعية تتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي.
 لذلك، لابد من نهج يتجاوز الحلول المؤقتة نحو معالجة الجذور خصوصا مع صغر ومحدودية القاعدة الإنتاجية، والانخفاض المتوقع في الفعالية الضريبية مع وصولها لحدودها القصوى، واي زيادات اضافية فيها ضمن الحيز المالي والاقتصادي الحالي ستنعكس سلبا على النمو ومستويات المعيشة والاستثمار.
 القرارات الحكومية المتتابعة-وحتى لو لم تكن تعبر بالفعل عن فلسفة لهوية فكرية جديدة- فانها اذا ما تواصلت بنفس نسقها واستهدافاتها الحالية؛ ستكون بمثابة رؤية تحديث شمولي للفكر الاقتصادي الحكومي، يجمع بين المرونة والواقعية، وينتقل من إدارة الازمات نحو بناء نمو مستدام اكثر توازنا، ما يجعل منها قاعدة لسياسات وبرامج عمل متناسقة، وليس مجرد استجابات ظرفية عابرة.
 تجسد ملامح الهوية الفكرية الاقتصادية الجديدة، بما تحمله من توجهات، تحولا في اولويات الحكومة من منطق ادارة الازمات إلى فلسفة بناء النمو المستدام. لكن يبقى السؤال المشروع: هل نحن بالفعل امام رؤية فكرية اقتصادية جديدة تحدث نقلة في اداء الاقتصاد الوطني؟ الاجابة ستكون مرهونة بقدرة الحكومة على الاستمرار في هذا المسار، باعتباره توجها لا رجعة عنه.خ



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

17925 المؤيدين

17691 المعارضين

17592 المحايدين

محايد لا نعم