حوادث آثمة لكنها متوقعة
نحمد الله على سلامة أبنائنا أفراد دورية النجدة، التابعة لجهاز الأمن، الذين تعرضوا لإصابات من الهجوم المسلح الذي نفذه أحد الخارجين عن القانون، والذي قتل فجر اليوم الأحد في الإشتباك مع دورية النجدة في منطقة الرابية (بالقرب من سفارة الكيان المجرم)، بعد أن أوقع 3 إصابات بينهم، واستخدم في الهجوم سلاحا أوتوماتيكيا، وكان بحوزته مجموعة من «عبوات» المولوتوف، وهذا ما تناقلته وسائل الإعلام حتى وقت كتابة هذه المقالة ظهر الأحد.
لا نقول بأن كل شيء مثالي، والظروف جميلة، بل نقول بأنه مضى أكثر من عام على انطلاق حرب الإبادة المجرمة بحق الفلسطينيين وغيرهم، وأن العالم يشهد يوميا جرائم نوعية، منقطعة النظير، لم تحدث في العالم قبل هذا، ويعرفها القاصي والداني بل ويشاهدون بعضها بثا حيا ومباشرا، فالظرف استثنائي ونوعي، ويوجب التزامات وضغوطا كثيرة على كل الدول، لا سيما الموجودة حول فلسطين المحتلة، وعلى الأردن يقع العبء الأكبر، لأسباب يعلمها الجميع، وليس أقلها الضغط المستمر الذي خلفته هذه الحرب وأحداثها المأساوية على الدولة الأردنية، من خلال التحديات الميدانية التي تفرضها هذه الجريمة.
كنا وما زلنا نتوقع المزيد من الحوادث المشابهة التي من الممكن أن نتعرض لها في الأردن، ولا أقول بأنها أحداث طبيعية وواجبة الحدوث، بل أقول بأن البيئة مناسبة لحدوث مثلها، فهناك أفكار وضغوط وغضب شخصي، قد ينزلق أهله لأعمال غير قانونية وغير مثمرة وليست في مكانها، وهناك من يستفيد سياسيا من حدوث مثل هذه الأحداث، وأيضا ثمة من يستثمر في الجرائم، ويسعى لتوريط الدول والشعوب بمواقف غير محسوبة ولا متوقعة.. كل هذا متوقع حدوثه ويجري مثله وأكثر حتى في أبعد البلدان عن فلسطين المحتلة، والذي يهمنا أن نذكره في مثل هذه الظروف، متعلق بنا نحن، وليس بغيرنا، حيث نؤكد في كل مناسبة بأن المملكة الأردنية الهاشمية، غير محسودة على هذا الاختبار الكبير، وتقدم ما لم يكن ليتوقعه أحد، دعما لفلسطين وإسنادا للشعب الذي يجري ذبحه، والتفاصيل يومية وكثيرة ولا تحتاج لحديث، فهي أوضح بل أول ما يشغل الأردن وعلى كل المستويات، فهل ثمة موضوع محلي اكتسب أهمية أكبر من أهمية وأولوية وقف الحرب على غزة وفلسطين كلها، وهل ثمة عمل يومي يقوم به الأردن «ملكا وحكومة ومؤسسات، وشعبا» أهم من تخفيف وقع الجريمة على الفلسطينيين، وهل يشغل بال الأردنيين شيء أكثر من تداعيات ومآلات هذه الجريمة وانعكاسها على مستقبل الأردن؟.. كلها أخبار وأمور وأفعال يومية، يقوم بها الأردن كدولة موجودة على أطول خط حدودي مع فلسطين المحتلة.
الضغط الأكبر ميدانيا، هو الذي يقع على رجال الأمن والجيش، وهؤلاء من أعتبرهم الأذكى والأقدر والأكثر تضحية، والأصدق وطنية، فكل الكلام يكون كلاما، والأفعال أيضا، تبدو طوعية وربما إنسانية، إلا في الميدان، فالخطر حقيقي كما نشاهد ونقرأ، والخطأ خطير، والضغط مستمر ولا يرحم، والشارع في حالة غضب مستمرة، ولا نقول بأن كل يحدث من الغاضبين قانوني ومقبول، لكن الدولة دوما أكثر حكمة وسعة صدر من غيرها، حتى حين يبرز خطر ميداني من شاكلة الهجوم الذي حدث فجر أمس الأحد، فهؤلاء الرجال هم الأكثر تأهيلا للتعامل معه حسب قانون وقواعد تنبع من أصل الحكمة والخوف على الناس وحمايتهم وحماية الأردن، وحين يجري اختبار هؤلاء الرجال، فهم ينجحون كما نلمس بكل جوارحنا، وبالعلامة الكاملة، ويقدمون التضحيات من أجل الوطن والناس دونما منة ولا انتظار للشكر.
حادثة مرت، والأصل أنها لن تتكرر، وإن تكررت فالرجال لها بالمرصاد، ولن يتوانى أردني واحد عن الدفاع عن وطنه، فهو بيته وعن أهله، ولا يمكن أن يتنازل عن دعم رجال الأجهزة الأمنية ويعضدهم، فهم الذين يحملون أمانة سلامتنا ومستقبلنا على أكتافهم، ومن حساب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم..
إنهم يتعرضون للحوادث ويموتون لأجلنا..