العالم كله في حالة بطة عرجاء
لسنا نحن في العالم الثالث فقط، من نعاني من حالة غياب الرقابات وتعطلها، وفقدان الثقة بجدوى متابعة السياسة، بل إن العالم كله يستغل مثل هذه الحالة من «تعطل السياسات والتشريعات» لأسباب قانونية أيضا، فتستغل جهات سياسية وإدارية أخرى هذه الحالة من التوقف، وتتخذ قرارات لا تحظى بالشعبية، ولا حتى بالمتابعة الإعلامية، ولا تنال حقها من الحوار العام..
البطة العرجاء؛ مصطلح مالي أساسا، تم إطلاقه في المرة الأولى في بدايات القرن الثامن عشر، لوصف التجار الإنجليز الذين أفلسوا في السوق المالية البريطانية، فمثلهم لا يمكنهم التصرف بحرية في السوق المالي، ولا يستطيعون اتخاذ قرارات تجارية، لأنهم «متعطلون.. مفلسون»... ثم انطلق المصطلح في أمريكا لوصف حالة سياسية أخرى، تمر بها أمريكا في كل فترة من عمر مجلس الشيوخ، حيث تجري انتخابات نصفية، يتم خلالها انتخاب جزء من أعضاء الكونغرس، بينما الجزء الآخر مستمر ولم تنته فترة عضويته في المجلس، وفي مثل هذه الحال، وتجري الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام زوجي، بينما يمارس هؤلاء المنتخبون الجدد عملهم ودورهم الدستوري، في 3 كانون الثاني/يناير من العام الفردي الذي يليه، فهناك حوالي شهرين، لا يقومون فيها باتخاذ قرارات ويكون المجلس أيضا شبه متعطل لأن فيه أعضاء «مروحين» وسيحل مكانهم أشخاص جدد تم انتخابهم، لكنهن يحتاجون شهرين تقريبا للقيام بمسؤولياتهم القانونية... واليوم في أمريكا، «تلمع» حالة البطة العرجاء وأصبحت تؤثر على العالم (الذي يعرج أصلا ويفقد القانون والعدالة والمساءلة والمحاسبة فوق فقدانه الأخلاق)، فيتكبل الرئيسان، أعني الرئيس المنتهية ولايته حكما بعد انتخاب رئيس جديد، والرئيس الجديد لا يمكنه اتخاذ أية قرارات رسمية أو يوقع عليها، ما دام لم يتسلم بعد واجباته الدستورية، ويتسلم مكتبه في البيت الأبيض.
البطة العرجاء تنعكس على سياسة أمريكا بسبب هذه «التحديدات الزمنية»، وقد يبدو الأمر بأنها حالة «تعطّل»، لكنها أصبحت فرصة في أمريكا وخارجها، فهي تعتبر (جمعة مشمشية.. وفلّة حكم) بالنسبة لكل من يؤيد «تمرير» قرارات جدلية ولا تحظى بالشعبية، ولا بالمتابعة الإعلامية والرقابية، حتى بالنسبة لمن تم انتخابه ونجح ولم يتسلم بعد سلطاته رسميا، يستغل هذه الفرصة «البطة العرجاء» ويحفز المؤسسات بتنفيذ كل ما يمكن أن يحرجه لو جرى تقريره بعد تسلمه سلطاته..
لو تابعنا الإعلام حول العالم، سنجد من بين الحكومات والحكام خارج أمريكا من يستغلون أيضا حالة البطة العرجاء في أمريكا، علما أن كثيرا من الحكومات، يصنعون لأنفسهم حالات لا تنتهي من البطة العرجاء والعمياء وممعوطة الريش، حيث لا رقابة ولا مساءلة.
أنا متأكد بأن كثيرا من الحكام والحكومات حول العالم، تستغل هذه الحالة من «الحذر القانوني المصاحب لحالة البطة العرجاء» التي تخيم على امريكا، ويتخذ قرارات ويقوم بإجراءات بعيدا عن الرقابة والمساءلة الأمريكية، أو التي لا تحرج رئيسا أمريكيا راحلا، ولا تقع ضمن علاقة ومسؤولية رئيس أمريكي جديد.. ما أريد قوله أيضا، متعلق بحالة «الترقب والانتظار» وغياب مسؤولي حكومات وغيرها عن «الشاشة» في هذه الفترة من البطة العرجاء الأمريكية، ويعزى هذا الحذر والترقب لنفس النظرية من غياب الرقابة والمساءلة، أو من التخوّف والتحوّط من السقوط بأخطاء قد تحرج هذه الحكومات مع الرئيس الأمريكي وإدارته الجديدة..
لماذا لا يستغل المكبلون بعلاقاتهم مع الإدارات الأمريكية «الرايحة» أو «الجاية» مثل هذه الحالة من التعطل، وينجزون ما لا يستطيعون إنجازه في حال استلام ترمب لمهامه الدستورية؟
أنا متأكد بأن جزءا كبيرا مما يقوم به المجرمون في حروب الإبادة، خلال هذه الفترة، هو موقوت على الفراغ الرقابي والقانوني وقلة الاهتمام الإعلامي، ولا أستبعد أنه يجري بالاتفاق مع الرئيسين الأمريكيين، أعني «الرايح» و»الجاي»