تنشيط العلاقة مع العراق عصام قضماني
في العلاقة مع العراق، دور القطاع الخاص مهم جدًا في المرحلة المقبلة، لكن دور الحكومة أكثر أهمية في منح هذه العلاقة زخماً وتنشيطها كلما هدأت. يجب الانتباه إلى تغذية هذه العلاقة باستمرار وتنشيطها ليس بالمجاملات، بل في طرح أفكار ومشاريع تعاون مثمرة وواقعية، مع إبقاء جذوة المشاريع القائمة أو المتفق عليها متقدة.
الأردن يشغل حيزاً جيداً في مساحة هذه العلاقة، وهو لا يجب أن يغفل عن مكانته طرفة عين، فالمنافسة شديدة، وهذا البلد العريق يبدو وكأنه يولد من جديد وهو بحاجة إلى كل جهد وخبرة وأيدٍ ممدودة. على الحكومة أن تذلل كل الصعاب وأن تنأى عن كل تعقيدات لا لزوم لها، وإن كان من سوق يخدم الصادرات الأردنية فهو السوق العراقي.
العلاقة مع العراق يجب أن تمضي قدماً رغم معيقات هنا وهناك، ولا يضيرها أصوات معارضة تنطلق بين فترة وأخرى، لأنها ضرورة للبلدين، بل هي حاجة، إذ لا يمكن نقل الجغرافيا ولا يمكن العبث بالتاريخ. العلاقة تحتاج إلى تشابك اقتصادي وهناك رغبة وإرادة بأن تزداد رسوخاً، ليس فقط لأن العمق الاستراتيجي للأردن كان دائماً موجوداً في العراق كما في كل الدول العربية الكبرى، بل لأن هناك أيضاً مصالح مشتركة ليس من مصلحة في التضحية بها أو تجاوزها.
العراق عمق استراتيجي للأردن والعكس صحيح، ولا فكاك من علاقة جيدة متشابكة في المصالح والاستراتيجيات، ومن غير المقبول أن تتأثر ببعض المواقف هنا أو هناك التي ربما لا يرضيها هذا التقارب. في بغداد اليوم حكومة مؤمنة بهذا التوجه المدعوم سياسياً لتطوير التعاون التجاري والاستثماري وحماية هذا التشابك من أية تأثيرات قد تعرقله.
يتفهم الأردن الوضع العراقي والتناقضات المحيطة وقد بذل جهوداً كبيرة لمساندة هذا البلد في محطات عديدة وما زال. آن الأوان للدفع بخطوات جادة، وهناك أكثر من قمة رسمت الطريق لتحالف اقتصادي جديد سيكون الأقوى في المنطقة، لسبب وهو الإرادة المتوفرة لبناء علاقات اقتصادية متينة.
هذه الخطوات تحتاج إلى مبادرات من القطاع الخاص الأردني والعراقي الذي يجب أن يسبق إيقاع الحكومات، لكن تكثيف تواجد الوزراء الأردنيين ونظرائهم في عمان وبغداد يمهد الطريق. هناك مشاريع كبرى تشترك فيها الدولتان، وقد أطلق العراق مؤخراً خارطة طريق لحقبة مهمة على طريق إعادة الإعمار وتحقيق التنمية، وهي فرصة كبيرة للقطاع الخاص.
منح الزخم للمشاريع المشتركة مثل أنبوب نفط البصرة-العقبة كمنفذ مهم بالنسبة للعراق، فوصول نفطها إلى العقبة يعني دخوله بقوة إلى منطقة البحر المتوسط، والسكك الحديدية والربط الكهربائي ومنطقة صناعية، كل هذه المشاريع تدعم قوة التشابك الاقتصادي.
يجب الدفع بكل قوة لإعادة تفعيل الحضور العراقي الذي كان نشطاً في الحياة الاقتصادية الأردنية، فالعراقيون من متصدري قائمة المستثمرين غير الأردنيين في الشركات التجارية والصناعية وفي العقار. ليس هناك ما يمكن أن يقلق الأردن في هذه الاتجاهات، بل العكس، يتعين أن يكون منفتحاً على قطاعات الأعمال، فهذه دول ترفض زعزعة أمن الأردن واستقراره، بل على العكس هي معنية بحمايته.
الأردن من جانبه غير معني بأي خصومات مع أحد، ولم يسجل في تاريخه أنه تدخل في شأن أي من الدول القريبة والبعيدة، بل على العكس كان دائماً يترفع عن الراغبين بالخصومات وينكأ جراحه بصمت ويمضي قدماً حتى لو كانت الطعنة في الخاصرة. ومنها هذه دعوة للانتباه إلى الاهتمام أكثر بهذه العلاقة التي لا يجب أن تشهد تراخياً وتكون دائماً على مائدة خطط الحكومة.