إصلاح إداري ام تصحيح في الإدارة! عصام قضماني
ربما نحتاج إلى تعديل في بعض المصطلحات الفضفاضة مثل الإصلاح الإداري واستبداله بالتصحيح الإداري.
الإصلاح مفهوم شامل يعني أن ما يراد إصلاحه بلغ مستوى من الخراب لا يمكن معه الاستمرار، فهل ذلك ينطبق على الإدارة العامة بمعنى القطاع العام؟.
خطط كثيرة وبرامج متعددة وضعت تحت عنوان الإصلاح الإداري على الأقل العشرات منها على مدى العقدين الماضيين، النتائج كانت مخيبة ليس لسوء الخطط والبرامج بل لأنها كانت فضفاضة بينما كان الأمر يحتاج إلى تصحيح لبعض الأخطاء الناجمة عن اختلالات وقصور في بعض القوانين، إضافة إلى تناقص بعضها فيما بينها وتناقض بعضها مع عشرات التعليمات والأنظمة وهو ما لم يخلق إرباكاً في صفوف الكوادر الإدارية فحسب، بل شكل ثغرات تسلل منها ما يسمى بالفساد الإداري.
تحمل لنا الأخبار بين فترة وأخرى أنباء عن كشف قضايا اختلاس أو تحايل أو استغلال وظيفي وغيرها من المسميات قام بها موظفون في غفلة من الرقابة وقدرة على التسلل بين الثغرات، وإلا ما معنى أن يختلس موظف ما مبلغ مليون دينار في مؤسسة حكومية صغيرة، يجدر الإشارة هنا إلى أن عملية الاختلاس امتدت لسنوات ما يكشف تخلف أدوات الرقابة أحياناً وقصور القوانين أحياناً أخرى، وليس عقلية الموظف التي استغل قدراتها في تنظيم هذه العملية الممتدة وتنفيذها دون أن يلاحظه أحد!.
تزايد الفساد الإداري بأشكاله لا يعني بالضرورة أننا أمام قطاع عام أوشك على الزوال، وعن (إدارة) تعاني ضعفاً في أدوات الرقابة، التعميم هنا غير علمي لكن من الصواب القول إن هناك ثغرات هنا وهناك ينبغي تصحيحها، وهناك أدوات رقابة ضعيفة تحتاج إلى تقويتها، وهناك متابعة تحتاج إلى تفعيل.
يفسر بعض المحللين ضعف الإدارة العامة لأسباب منها أنها تخلت عن دورها الاقتصادي، وأنها تخلت عن حصص في ملكية وإدارة عدة مؤسسات وشركات، بمعنى أن هيبتها وسيطرتها الإدارية قد ضعفت وهذا ليس صحيحاً، بل على العكس لطالما كان تخفيف العبء الإداري يذهب لمصلحة تقوية الدور الرقابي والتفرغ لمهام الإشراف ومنع الاحتكار ومحاصرة التجاوزات والفساد.
عقلية الإدارة في الأردن لم تكن فيما سبق عقلية قطاع عام مثل تلك العقلية التي سادت في عهود التأميم والاتحاد الاشتراكي وغيرها من المفاهيم التي أعقبت عصر الانقلابات العسكرية وتمدد الأنظمة الاشتراكية، والأردن لم يكن يوماً دولة اشتراكية، فكان القطاع الخاص موجوداً وله دور بارز في تأسيس شركات ومؤسسات عجز القطاع العام عن تأسيسها لقلة المال، حتى في ذروة الخصخصة لم تكن تمثل انقلاباً اقتصادياً أو ثورة اقتصادية.
في مثال آخر على الوجود القوي للقطاع العام لا زال القرار الاقتصادي يسيطر على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، قياساً إلى حجم الإنفاق ما يعني أن القطاع العام لم يتخل عن سلطته.
أقول تصحيح الإدارة العامة وليس إصلاحها لسبب وجيه وهو أن التصدي لعملية إصلاح شاملة فيه مبالغة، وهي تعني ثورة إدارية وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل محددات كثيرة ومعقدة منها البطالة المرتفعة ومجموعة القوانين المتراكمة وحصة الإدارة العامة في الإدارة والإنفاق والقرار.
علينا أن ننزل خطوة واحدة إلى مستوى عملية تصحيح في الإدارة العامة لتحقيق ما نعتقد أن بالإمكان تحقيقه.