2025-12-28     عدد زوار الموقع: 6216165

تحريم البهجة باسم الهوية

فراس النعسان

في كل عام، ومع اقتراب نهاية ديسمبر، يعود الجدل نفسه بحدةٍ لافتة:
هل يجوز للمسلم أن يحتفل بالعام الجديد؟
هل شجرة الميلاد رمز ديني أم طقس اجتماعي؟
وأين ينتهي الفرح، وأين يبدأ الحرام؟
هذا الجدل لا يبقى في حدوده الطبيعية كنقاش فقهي هادئ، بل يتحول سريعًا إلى حالة استقطاب حاد، ينقسم فيها الناس.
في جوهره، لا يتعلّق السؤال بشجرة ولا بعدٍّ تنازليّ عند منتصف الليل، بل بطريقة فهمنا للدين ذاته. هل نراه منظومة قيم واسعة، تضبط السلوك وتفتح أبواب الحياة، أم قائمة محظورات تُستدعى كلما ابتسم الناس؟ 
الإسلام، في نصوصه الكبرى، لم يكن يومًا دين كآبة أو قطيعة مع الفرح. بل اعترف بالفطرة الإنسانية، وبحاجة الإنسان إلى السرور والترويح، وربط الأعياد بالبهجة وإظهار الفرح. ولم يُقدَّم الدين باعتباره خصمًا للحياة، بل شريكًا في تهذيبها، يضبطها بالقيم لا بالخوف.
المشكلة تبدأ حين يُختزل الدين في المظاهر، وتُختزل الهوية في طقوس. عندها تصبح شجرة في زاوية منزل اختبار إيمان، وتتحول التهنئة بالعام الجديد إلى تهمة، وكأن القيم الكبرى؛ كالعدل، والصدق، والرحمة، وصيانة الكرامة الإنسانية، لم تعد هي جوهر التدين، بل تفاصيل ثانوية أمام شكل الزينة ونوع الاحتفال.
الوسطية، التي يكثر الحديث عنها، ليست موقفًا رماديًا بلا ملامح، بل فهم عميق للمقاصد. هي لا تبرّر كل شيء باسم الفرح، ولا تحرّم كل شيء باسم الهوية. بل تسأل بهدوء: هل في هذا الفعل اعتقاد تعبدي يخالف التوحيد؟ أم أنه سلوك اجتماعي لا يتجاوز كونه تعبيرًا إنسانيًا عن لحظة فرح عابرة؟ الفرق بين السؤالين هو الفرق بين فقه وذعر.
في المقابل، يبرز تشددٌ يمينيّ، يرى في كل مظاهر الفرح خطرًا، وفي كل مشاركة اجتماعية ذوبانًا، وفي كل اختلاف تهديدًا للهوية. هذا الخطاب لا ينتج وعيًا، بل خوفًا، ولا يبني إيمانًا، بل قلقًا دائمًا، حتى يبدو المسلم وكأنه يعيش في حالة اشتباه مستمرة مع العالم.
وهناك من يتعامل مع الاعتدال كذريعة لتذويب الخصوصية، فيقفز من «الفرح المباح» إلى نفي أي حدود، وكأن الهوية عبء يجب التخلص منه. وهذا تطرفٌ آخر، لا يقل سطحية عن التطرف الأول، وإن اختلفت لغته وواجهته.
الاعتدال الحقيقي لا يصرخ ولا يزايد. يقول ببساطة: افهم قبل أن تحكم، وميّز بين العادة والعبادة، وبين المشاركة الإنسانية والاستعارة العقدية. الاعتدال هو أن تكون مسلمًا مطمئنًا، لا خائفًا من الحياة، ولا متنازلًا عن جوهره.
في النهاية، السؤال ليس: هل نضع شجرة أم لا؟ بل: أي صورة للإسلام نريد أن نعيشها ونقدّمها؟
إسلامًا واثقًا، متصالحًا مع الإنسان، قادرًا على الفرح دون ارتباك؟ أم إسلامًا قلقًا، عبوسًا، يخشى الزينة أكثر مما يخشى الظلم؟
الدين لا يخاف من شجرة.
لكن بعضنا يخاف من دينٍ يبتسم.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

28140 المؤيدين

28066 المعارضين

27930 المحايدين

محايد لا نعم