2025-11-13     عدد زوار الموقع: 6162060

الخيار الديمقراطي التعددي للسودان

حمادة فراعنة

ليس مستبعداً أن يكون انفجار الوضع في السودان، بهدف إبعاد الاهتمام السياسي والإعلامي الدولي عما جرى ويجري من مذابح وجرائم بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على يد قوات المستعمرة الإسرائيلية، لينصب الاهتمام نحو الجرائم والمذابح التي تجتاح السودان، أي بشكل أوضح تغيير الصورة المأساوية لما جرى في غزة، من خلال نقل الكاميرا واهتماماتها لما يجري في السودان، ويتم ذلك بخبث ومكر ودهاء وتواطؤ إسرائيلي أميركي.

ما يجري في السودان، ليس جديداً، فالقمع والبطش والعنصرية والمس بالآخر صفة ملازمة لكل الانقلابات العسكرية التي اجتاحت السودان، ولا تزال، مهما اختفى العسكر خلف مفردات الأمن والاستقرار، والخلاف والتباينات القبلية.

السودان تميز منذ حصوله على حق الاستقلال في الأول من كانون الثاني يناير 1956، وإقامة حكومة مدنية تعددية برئاسة إسماعيل الأزهري، ومن ثم عبد الله خليل، نتاج برلمان منتخب، وأول نظام ديمقراطي في السودان وفي العالم العربي، أطاح بها انقلاب عسكري برئاسة اللواء إبراهيم عبود يوم 17 تشرين الثاني نوفمبر عام 1958، واستمر الحكم العسكري حتى عام 1964، بعد ان حل الأحزاب ومنع عملها، وأطاح بالقيم التعددية.

في 30 تشرين أول أكتوبر 1964، سقط الحكم العسكري، وتولى الحكم سر الختم خليفة الذي ترأس حكومة انتقالية بعد الثورة، حيث جرت الانتخابات، وترأس محمد أحمد محجوب رئاستها من حزب الأمة، من 6 حزيران يونيو 1965 حتى 25 آيار مايو 1966، ومن ثم الصادق المهدي من حزب الأمة من 25 تموز يوليو 1966 حتى 18 آيار مايو 1967، ومرة آخرى محمد المحجوب من 18 آيار مايو 1967 حتى 25 آيار مايو 1969.

في 25 آيار مايو 1969، أطاح العقيد جعفر نميري بالحكم المدني التعددي الديمقراطي، بانقلابه الدموي، الذي تميز بالتسلط والقمع والبطش، حتى تمت الإطاحة به بثورة شعبية في شهر نيسان ابريل 1985.

بعد سقوط حكم النميري العسكري تولى مجلس عسكري بقيادة المشير سوار الذهب، الذي سمح بعودة الحكم المدني وتنازل عن السلطة، وسجل أنه أول عسكري في العالم العربي، يتنازل عن السلطة لصالح الحكم المدني، حيث تولى الصادق المهدي رئاسة الحكومة يوم 6 آيار مايو 1986 حتى 30 حزيران يونيو 1989، وكان آخر رئيس وزراء مدني منتخب عبر صناديق الاقتراع، أطاح به عبر انقلاب عسكري قام به المشير عمر حسن البشير.

في عهد البشير تولى السلطة بفعل الانقلاب عام 1989 حوالي ثلاثين عاماً حتى 11 نيسان ابريل 2019، بعد احتجاجات شعبية استمرت من شهر كانون أول ديسمبر 2018.

تعلم البشير واستفاد من حصيلة الانقلابات العسكرية المتتالية، فقام بتوظيف ميليشيا عسكرية، بدأت في مواجهة القبائل الإفريقية غير العربية، ولمواجهة تمرد حركتي العدل والمساواة عام 2003، وتشكلت ما يُسمى قوات الجنجويد، بدعم من الجيش وجهاز المخابرات، التي نفذت حملات عسكرية دموية في القرى والأرياف في دارفور، وارتكبت الجرائم والقتل الجماعي بحق القبائل غير العربية، صنفتها محكمة الجنايات الدولية عام 2009، بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

قوات الجنجويد المكونة من ثلاثة مفردات معناها باللهجة المحلية «الرجل المسلح على حصان الشيطان» تعبيراً عن القوة والبطش وإدخال الخوف والإرهاب بحق الخصوم، حولها عمر البشير إلى قوات نظامية تحت مُسمى «قوات التدخل السريع» عام 2013، وترأسها محمد حمدان دقلو المعروف بـ حميدتي، والذي ورث رئاستها بعد أن كان قائدها حينما كانت ميليشيا محلية، وظفها عمر البشير لتحقيق غرضين: أولهما لقمع قوى المعارضة، وثانيهما ليكون لديه طرفان: الجيش وقوات التدخل، لمنع أي انقلاب عسكري ضده من قبل الجيش، ولكنهما تحالفا ضده: قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد قوات التدخل السريع الفريق محمد حمدان دقلو، وأطاحا به معاً، ولكنهما اختلفا، ووقع الصدام الدموي بينهما منذ 2023 حتى يومنا هذا، وهكذا لن يكون للسودان مكانة ولشعبه الأمن والاستقرار بدون حكم مدني تعددي ديمقراطي، وحكمه نتيجة إفرازات صناديق الاقتراع، لأن السودان بلد تعددي في القوميات والديانات، ولا يستطيع طرف التحكم به بدون شراكة عبر التعددية والديمقراطية والمساواة بين مختلف الأطراف المكونة لشعب السودان.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

25862 المؤيدين

25741 المعارضين

25666 المحايدين

محايد لا نعم