موسم قطاف الزيتون يروي حكاية الأرض والحنين للأجداد

اللحظة الاخباري -
مع بدايات تشرين الأول، تنفض كروم الزيتون عن أغصانها صمت الصيف الطويل، وتتهيأ لاستقبال موسم تنتظره القلوب قبل السواعد؛ إنه موسم القطاف الذي يمتد حتى منتصف تشرين الثاني، حاملا معه عبق الأرض وحنين الأجداد.
في الماضي، كانت القرى الأردنية تتبدل ملامحها بحلول الموسم، فتغدو الكروم ساحة عامرة بالحركة والحياة؛ فتمد العائلات مفارش صُنعت من أكياس الطحين، لتقضي أياما تجمع فيها حبات الزيتون في مشهد يعيد دفء الترابط وبهجة اللقاء.
يستعيد أبو أحمد العماوي من المزار الشمالي هذه الذكريات بفرح، ويقول: "تلك الأيام الجميلة ولّت، إذ حرمت مشاغل الحياة الكثيرين من الاستمتاع بهذا الموسم، بعد أن أصبح تضمين البستان عادة عند كثير من أصحاب كروم الزيتون".
كان هذا الموسم، بحسب العماوي، يشهد "تعزيل" الناس لبيوتهم، ونقل إقامتهم مؤقتا إلى كروم الزيتون ليقطفوا ثمار هذه الشجرة المباركة على أهازيج ترددها الأمهات والجدات:
"يا زيتونا يا حامل على أمه... يا زيتونا يا ميمتي يمه... ييجوا على دورنا اللي يحبونا... ييجوا على دورنا يا ميمتي يمه..."
وتؤكد الحاجة خديجة الديك من قرية إرحابا، أن لهذا الموسم أشغاله وأكلاته الخاصة؛ فإلى جانب قطاف الثمار صباحا، كانت مع ساعات المساء تدق الثمار بحجر على ضوء السراج، لتجهز "كبيس الزيتون" بنوعيه الأسود والأخضر، مع إضافة الفلفل الحار والثوم والليمون، ليضم إلى خزانة مؤونة البيت.
وتقول الحاجة خديجة إن هذا الموسم المبارك لا يكتمل إلا بإعداد "المكمورة" أو "المطابقة"، فلا يمكنك مقاومة رائحتهما بعد خروجهما من الفرن، لا سيما إذا غمرتا بزيت الزيتون؛ فذلك يقوي العظام ويعزز النشاط.
"طقوس قطاف الزيتون لا تقتصر على ذلك"، يقول المزارع خلدون بني عامر، ويضيف: "هناك فزعة القطاف" إذ يهرع أصحاب الكروم لمساعدة المتأخرين في قطاف ثمارهم، حتى ينجز الجميع أعمالهم معا؛ فـ‘فزعة القطاف قرضة ودين، اليوم عندك وبكرا عند قرابتك’".
وبعد الفزعة، تأتي المكافأة على هيئة "عطية" من زيت المحصول، عرفانا بالجميل وتقديرا لجهد المشاركة والتعاون.
ورغم أن التكنولوجيا دخلت بعض مراحل قطاف الزيتون، إلا أن الموسم يبقى كرنفال فرح عائليا؛ أحفاد يتسابقون لجمع الثمار، وآباء يتسلقون الأشجار لفرط حبات الزيتون من أعلى الأغصان، وأجداد يرون في المشهد ذكرياتهم القديمة.
ويؤكد بني عامر أن أجمل لحظة يعيشها المزارع في هذا الموسم هي عندما يتذوق القطرات الأولى من زيت زيتونه، حينما تتدفق بعد عصر الثمار، إيذانا برحيل الموسم ومؤشرا على جودته.