القدس تحت مجهرهم نيفين عبدالهادي

بين دخان قذائفهم وصواريخهم، يعتقد البعض أن الحرب في غزة فقط، بينما يظهر بوضوح اهتمامهم السلبي بطبيعة الحال بمدينة القدس المحتلة، فهي تحت ناظرهم، ووجهة بوصلتهم نحوها، القدس تحت مجهرهم الاحتلالي، في مساع وخطط لا تقل خطورة عن حربهم على غزة، لتهويد المدينة المقدسة وقبلة المسلمين الأولى، ومساع خطيرة لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى ومحاولة لتقسيمه زمانيا ومكانيا وتدنيس حرمته، وعلت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس منذ عامين، وتحديدا بعد السابع من تشرين الأول 2023.
لم تقتصر حرب إسرائيل على جغرافيا قطاع غزة فحسب، بل امتدت إلى القدس المحتلة، وحوّلتها لساحة بل ساحات مفتوحة للعقاب الجماعي، وهدم المنازل وبناء المستوطنات، والإبعادات عن الأقصى الشريف، والاقتحامات والممارسات الاستفزازية في المسجد الأقصى، في حين أظهرت الإحصاءات الصادرة عن محافظة القدس حتى الرابع من الشهر الحالي صورة قاتمة ومرعبة لما يعيشه المقدسيون، (97) شهيدا، 2688 حالة اعتقال، 742 عملية هدم تجريف، 784ر122 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى، 491 إصابة بالرصاص الحي والمطاطي، 171 قرارا بالحبس المنزلي، و303 قرارات إبعاد عن مدينة القدس أو المسجد الأقصى، هي ليست مجرد أرقام بل شهادات على تصعيد إسرائيلي يؤكد أن مدينة القدس تحت مجهرهم التهويدي والاحتلالي، ما يجعل من إدارة الظهر وإغماض العين عن القدس خلال الفترة الحالية أمرا خطيرا، فلا بد من التنبّه لخطورة ما تشهده القدس وهو ما حذر ونبه له الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني.
الدخول للواقع القانوني، بطبيعة الحال كل ما تقوم به إسرائيل في القدس يرقى لجرائم الحرب، ذلك أن اتفاقية لاهاي وجنيف الرابعة تحظران المساس بالأماكن الدينية في الأراضي المحتلة أو تغيير طابعها، ما يجعل مما تقوم به إسرائيل خطيرا ويجب أخذه على محمل المتابعة، والسعي لإيقافها عن كل ما تقوم به، فما يحدث هو حرب دينية، وحرب للدفاع عن الوجود والهوية، وحماية قبلة المسلمين الأولى من اعتداءات إسرائيلية خطيرة، بل من حرب إسرائيلية تستهدف الأقصى، والمدينة المقدسة، ذلك أن عواقب استمرار الانتهاكات المستفزة واللاشرعية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ستكون خطيرة جدا، ولها تبعات تصعيدية على القدس والقضية الفلسطينية والمنطقة.
ونحو مزيد من الانتهاكات الخطيرة، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير ومتطرفون أمس المسجد الأقصى، وما رافق الاقتحامات من ممارسات استفزازية في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، تحت حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ليشكل ذلك خرقا فاضحا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتصعيدا مدانا واستفزازا غير مقبول، كما أكد الأردن أمس فور هذه الانتهاكات المدانة، بتأكيدات أردنية أيضا على أن لا سيادة لإسرائيل على مدينة القدس المحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
تحذيرات الأردن لم تبدأ اليوم، إنما بدأت مع الحرب على غزة، وقبل ذلك، بإعلان واضح للرفض المطلق لمواصلة الاقتحامات المرفوضة من قبل الوزير المتطرف ومن المتطرفين، وتسهيل شرطة الاحتلال اقتحاماتهم المتكررة للأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، وطالما جدد الأردن التأكيد على أن المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته البالغة 144 دونما هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وأن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية هي الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة شؤونه وتنظيم الدخول إليه.
موقف أردني واضح، حام وحارس ووصي على المسجد الأقصى، وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بتحذيرات يجب أخذها على محمل الاهتمام، والتنفيذ، فحرب إسرائيل على القدس خطيرة، وتدفع باتجاه تصعيد خطير وعدم استقرار، وهو ما حذر ويحذر منه الأردن بقيادة جلالة الملك، ترك واقع الحال في القدس على ما هو عليه، سيؤدي إلى مالا تٌحمد عقباه!!!