ليس قانونًا فقط، بل رؤية لمستقبل الأردن الاقتصادي والاجتماعي

حسام عايش
قانون الأبنية وبحسب صياغته ومضمونه، يوحي بانزياح هذا التوازن لصالح الدولة بوصفها «مُحصّلاً» لا «منظِّمًا»، إذ ي توقع ان يثقل القانون المقترح، كاهل المواطن والمستثمر بأعباء اضافية دون مقابل تحفيزي للنشاط العقاري، أو تخفيف من القيود البيروقراطية والضريبية، التي تعيق تطور القطاع وغيره، ما يطرح تساؤلات عن مدى توافقه مع متطلبات التحفيز الاقتصادي المستدام.
من منظور اقتصادي، يحمل القانون مخاطر تضخمية نتيجة انتقال الأعباء الضريبية إلى المستهلكين عبر زيادة أسعار الإيجارات والعقارات السكنية والتجارية، وبالتالي اسعار السلع والمنتجات في السوق.
فارتفاع الضرائب العقارية بنسبة 10% قد يؤدي إلى زيادة التضخم بمقدار 0.5-1% سنويًا، مما يضعف القدرة الشرائية للأسر، واقتطاع جزء إضافي من دخل هذه الأسر كضريبة اضافية علىالابنية والاراضي يُفاقم من عجز موازناتها، ويقوّض قدرتها على الانفاق والاستهلاك، ناهيك عن تخفيض مستويات الاستثمار في العقارات وغيرها، مما يضر بالاقتصاد الكلي.
كما ان تحميل القطاع العقاري أعباء ضريبية، يبطئ حركة التطوير والاستثمار فيه، ماقد يؤدي إلى ركود غير مستبعد -قطاع العقارات أحد أهم محركات الاقتصاد ويطال عشرات القطاعات المرتبطة به مثل المقاولات، التمويل، والمواد الإنشائية- ما قد يؤثر على توقعات النمو الاقتصادي المتفائلة للعام 2025 خاصة إذا أدت نتائج القانون الضريبية إلى انخفاض الطلب على العقارات بنسبة 15-20% كما تتوقع بعض التحليلات.
ومن منظور إكتواري، يتطلب نجاح القانون، دراسة دقيقة لتوزيع الأعباء الضريبية، فعدم مراعاة القدرة على الدفع قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة وثبات معدلات دخل الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، لذا، ينبغي للقانون تضمين إعفاءات للأسر ذات الدخل المنخفض، وللازواج الشابة، ولكبار السن، وللمتقاعدين، وفق معايير محددة، بما في ذلك تحديد سقف ضريبي.
يتطلب القانون المعدل، اعتماد معايير شفافة لتقييم وتقدير قيمة العقارات، عبر الاستعانة بخبراء اقتصاديين وعقاريين ومواطنين من المجتمعات المحلية، بحيث لا تستاثر جهة واحدة باعتماد أسعار إدارية تماثل في مفهومها وتطبيقها الضريبة المقطوعة على المشتقات النفطية، التي لم تحل دون ارتفاع أسعار تلك المشتقات حتى مع انخفاض أسعار النفط العالمية.
كما يتطلب الامر، إجراء دراسات دورية اكتوارية، لقياس الأثر الاجتماعي والمعيشي والمالي والاستثماري والتجاري والاقتصادي الحالي والمستقبلي لهذا القانون ولغيره، لان القوانين التي لا تستند إلى دراسات تقييمية، ولا تراعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي، ولا تهتم الا للعائد المالي، تتحول من أدوات تنظيم إلى أدوات تثقيل، ومن روافع للنمو إلى معوقات له.
قد يرى البعض قانون الأبنية والأراضي محاولة لإصلاح النظام الضريبي، لكن حتى لو كان كذلك، فانه يتطلب مراجعة دقيقة لتجنب تأثيره السلبي على الصناعة العقارية؛ بعد ان تنفس القطاع الصعداء في ضوء الاجراءات الحكومية التحفيزية الايجابية وبالذات في تخفيضها للرسوم والاعباء الاخرى والتي دبت النشاط في لقطاع وفي الاقتصاد؛ وكانت من بين الاسباب التي ساهمت بتحقيق نمو عند 2.7% في الربع الرابع من 2024، وبأعلى من نمو السنة بأكملها ومن ارباعها الثلاث الاولى.
التشريع الناجح، هو الذي يحقق العدالة، ييقدر الواقع الاجتماعي، ويسهم في بناء اقتصاد مزدهر، ومجتمع متماسك، ومستقبل معيشي واستثماري آمن.
وعليه، فتشريعات العقارات ليست مجرد أدوات مالية، بل إشارات تعكس كيف ترى الدولة العلاقة بين المواطن، السوق، والتنمية. وقانون 2025 هو لحظة اختبار: إما أن يُبنى على التوازن، أو أن يكبح الثقة في الاستثمار والعدالة الاجتماعية. الخيار ليس قانونًا فقط، بل رؤية لمستقبل الأردن الاقتصادي والاجتماعي.