المساعدات الدولية تحت المجهر: تنمية أم هيمنة؟ د. هاني الضمور

لطالما رُوِّج للمساعدات الدولية كأداة لدعم التنمية في الدول النامية، لكن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح. في مقدمة هذه البرامج تأتي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تُنفق مليارات الدولارات سنويًا على مشروعات يُفترض أنها تدعم الاستقرار والازدهار. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تحقق هذه المساعدات أهدافها الفعلية؟
عند النظر إلى هذه المساعدات، نجد أنها غالبًا لا تصل إلى الفئات المستحقة كما يُروَّج لها. فبدلًا من توجيهها مباشرة إلى الحكومات المحلية، تُدار معظمها عبر مؤسسات أجنبية ومنظمات غير حكومية، مما يقلل من فعاليتها نتيجة التكاليف الإدارية الضخمة والتعقيدات البيروقراطية. في النهاية، تصل نسبة صغيرة فقط من هذه الأموال إلى المشاريع الفعلية، بينما يضيع الجزء الأكبر في دوائر التشغيل والمصروفات الجانبية.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، في بعض الأحيان هذه الأموال تُنفق في مشاريع لا تلبي الاحتياجات الفعلية للسكان. وهكذا، تصبح المساعدات أداة لخلق شبكات من المصالح بدلاً من أن تكون وسيلة لتحقيق التنمية الحقيقية.
لكن الأخطر من ذلك هو البعد السياسي لهذه المساعدات، حيث تُستخدم كوسيلة ضغط على الدول المستفيدة، فتُفرض عليها شروط سياسية واقتصادية تتناسب مع أجندات المانحين، وليس بالضرورة مع أولويات الدول المحتاجة. في بعض الحالات، يصبح استمرار الدعم مشروطًا بتبني سياسات معينة. بهذا الشكل، تتحول المساعدات إلى سلاح يُستخدم للتأثير على الدول المستفيدة، بدلاً من أن تكون أداة لدعم سيادتها الاقتصادية.
البديل الأكثر فاعلية هو توجيه هذه الأموال مباشرةً إلى ميزانيات الحكومات الوطنية، بحيث تُدمج ضمن الموازنات العامة وتخضع للرقابة البرلمانية والمؤسسات المالية المستقلة. بهذه الطريقة، يمكن ضمان قدر أكبر من الشفافية والمساءلة، كما يمكن للدول أن تستخدم هذه الأموال وفقًا لأولوياتها الفعلية بدلاً من تنفيذ مشروعات مجزأة تفرضها جهات خارجية.
إلغاء برنامج USAID لا يعني رفض المساعدات الدولية، لكنه يمثل دعوة لإعادة النظر في آليات تقديمها لضمان أن تُستخدم بفعالية وشفافية. إن كان الهدف الحقيقي هو التنمية، فلابد من التخلي عن الأساليب التي تجعل المساعدات أداة للهيمنة السياسية، والتركيز على دعم الدول بطرق تعزز استقلالها وقدرتها على تحقيق نمو مستدام. فهل يمكن أن تتحقق هذه الرؤية؟