الرسوم الأمريكية الجمركية: حماية للصناعة أم تهديد للتجارة؟

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، يثار التساؤل حول مدى تأثير فرض رسوم جمركية على واردات الحديد والصلب والألمنيوم، والتي كانت جزءًا رئيسيًا من سياساته التجارية خلال ولايته الأولى، على القطاعات الصناعية والتجارية والاقتصاد الكلي للولايات المتحدة والعالم. في عام 2018، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 25% على الصلب و10% على الألمنيوم بحجة حماية الأمن القومي الأمريكي، وهو إجراء أدى إلى توترات تجارية مع العديد من الدول الشريكة. فرض رسوم جديدة سيرفع تكلفة المواد الخام للصناعات الكبرى مثل السيارات، البناء، والطاقة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وتأخير المشاريع الكبرى. رغم أن الولايات المتحدة تنتج حوالي 88 مليون طن متري من الصلب سنويًا، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على الواردات، خصوصًا للأنواع المتخصصة التي لا يتم إنتاجها محليًا بكميات كافية. وتشمل الدول الرئيسية المصدرة للحديد والصلب إلى الولايات المتحدة كندا، البرازيل، المكسيك، كوريا الجنوبية، واليابان. في 2018، فرضت هذه الدول إجراءات انتقامية على المنتجات الأمريكية، ومن المحتمل أن نشهد ردود فعل مماثلة إذا أعاد ترامب تفعيل الرسوم الجمركية، مما قد يؤثر على اتفاقية USMCA ويزيد من تعقيدات التجارة الإقليمية.
نظرًا لاعتماد الصناعة الأمريكية على إعادة تدوير خردة الحديد والصلب، قد تؤدي الرسوم إلى زيادة هذا التوجه وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ومع ذلك، يبقى السؤال ما إذا كانت الصناعة المحلية قادرة على سد الفجوة في الإنتاج، خصوصًا في القطاعات التي تتطلب أنواعًا متخصصة من الصلب. أي زيادة في تكلفة الصلب ستنعكس على أسعار المنتجات النهائية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ المشاريع الكبرى في البنية التحتية والطاقة والتصنيع. ارتفاع الأسعار قد يضر بالشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على مواد خام بأسعار تنافسية. ومن المحتمل أن تلجأ بعض الدول إلى تصدير الحديد والصلب عبر دول وسيطة لتجنب التعريفات الجمركية، كما حدث سابقًا عندما زادت صادرات الصلب إلى الولايات المتحدة من فيتنام بعد إعادة تصدير الصلب الصيني عبرها.
إعادة فرض الرسوم الجمركية على الحديد والصلب ستؤدي إلى تأثير اقتصادي مزدوج يتمثل في زيادة التضخم المحلي، حيث سترتفع تكاليف الإنتاج وبالتالي أسعار السلع، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى اتباع سياسة نقدية أكثر تشددًا. ومع استمرار معدلات التضخم في الارتفاع، قد يضطر الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة مجددًا، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة تكاليف الاقتراض للشركات والمستهلكين. هذا السيناريو يعزز المخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود إذا لم يتم التعامل مع التداعيات بشكل متوازن.
على الصعيد الدولي، قد تسعى كندا والمكسيك للحصول على استثناءات جديدة كما حدث في 2019، وإلا فقد تردان بإجراءات انتقامية مثل فرض تعريفات على المنتجات الزراعية الأمريكية. الاتحاد الأوروبي من المتوقع أن يعيد فرض تعريفات مضادة كما فعل سابقًا، مما سيؤثر على الشركات الأمريكية المُصدِّرة. أما الصين، ورغم أنها ليست المصدر الرئيسي للحديد إلى الولايات المتحدة، إلا أنها قد تزيد صادراتها إلى الأسواق الأخرى، مما قد يؤدي إلى فائض عالمي يُخفض الأسعار خارج السوق الأمريكية. ومن المحتمل أن تتفاوض البرازيل وكوريا الجنوبية لتخفيف القيود، لكنهما قد تلجآن إلى البحث عن أسواق بديلة.
لمواجهة هذه التداعيات المحتملة، يمكن للولايات المتحدة اتخاذ خطوات بديلة بدلاً من فرض تعريفات جمركية صارمة، مثل تقديم حوافز للصناعات المحلية من خلال دعم مالي وتقني لمصانع الصلب الأمريكية لتعزيز إنتاجها وتقليل الحاجة إلى الاستيراد. يمكنها أيضًا إبرام اتفاقيات تجارة موجهة عبر التفاوض مع الشركاء التجاريين لتحديد حصص معينة بدلاً من فرض تعريفات عامة. كما يمكن تعزيز الاستثمار في تقنيات الإنتاج عبر تحسين عمليات التصنيع وتقليل الاعتماد على المواد الخام المستوردة، إلى جانب إعادة النظر في سياسات الفيدرالي الأمريكي لاعتماد نهج أكثر توازناً بين محاربة التضخم ودعم النمو الاقتصادي.
إعادة فرض ترامب للرسوم الجمركية على الحديد والصلب سيحمل آثارًا مزدوجة؛ فمن ناحية، قد يعزز الإنتاج المحلي ويحمي بعض الوظائف في صناعة الصلب، لكنه سيؤدي أيضًا إلى ارتفاع التكاليف، توترات تجارية، وانتقام اقتصادي من قبل الدول المتضررة. كما أن تأثيره على التضخم والسياسة النقدية قد يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي الأمريكي. نجاح هذه السياسة يعتمد على قدرة الولايات المتحدة على تحقيق توازن بين حماية صناعتها المحلية والحفاظ على علاقاتها التجارية الحيوية مع الشركاء الرئيسيين، بالإضافة إلى تبني بدائل تقلل من المخاطر المحتملة.