2025-02-21     عدد زوار الموقع: 5566400

الاستباقيون والمستدرِكون

في الأحداث البارزة ينقسم المتفاعلون معها بين فريقين: استباقيون ومستدركون. لا ريب أن وسط الزحام بين هذين المعسكرين أقوام من الناشطين ونفر من النواب أو البدلاء أو -وهذه التسمية هي الأقرب إلى «سَرُغِيتْس»- وهم المختارون أو المتطوعون لأداء مهام الأمناء الأوصياء -ليس فقط على تمثيل شخص ما، بل التفكير أيضا- وكأنه هو بصرف النظر عن اعتماد أسلوبه في التخاطب والحوار وحتى التفاوض، وغض البصر عن مفرداته سيما تلك التي تصير في موضع استهجان أو استياء لافت إعلاميا محرج سياسيا وربما قانونيا.

يستسهل بعض المشتغلين بالتغطيات الصحفية أو عقد الندوات وترتيب الصالونات بأنوعها -الثقافية والاجتماعية والسياسية- يستسهلون استضافة وأحيانا التعاقد مع متحدثين وناشطين أكثر من كونهم صحفيين، معلقين أو محللين لشخصية سياسية ما، سواء لتلك الشخصية كالرئيس دونالد ترمب مثلا، أو ملفا من الملفات المثيرة للجدل داخليا أو خارجيا بما في ذلك الأوامر التنفيذية التي فاقت الثلاثمئة في أقل من ثلاثة أسابيع على ولايته الثانية والأخيرة.

الاستماع لهؤلاء قد يفيد ولا يعني الضرر بالضرورة إن تم اختيار المنبر الإعلامي المناسب، مقروءًا، مسموعا أو مرئيا، لكن الإنصات لمن ثبت أنهم «سرغيتس» هو المهم، وهم متاحون ليس فقط من دائرة المقربين من ترامب أو نظيره الروسي مثلا فلاديمير بوتن، بل حتى من آلاف الأميال، ليس بالضرورة أن يكون القادر على الفهم العميق والتحليل الدقيق الصائب أن يكون من رعايا الدولة أو سكان المدينة أو من حزب الرئيس أو تياره.

مثالان أطرحهما على ما تقدّم. كلاهما من مجلس الشيوخ الأمريكي في دورته الحالية، هما السيناتور الجمهوري المحافظ سليل عائلة كندي العريقة، جون كنيدي -وهو عضو عن ولاية لويزيانا (الحمراء) والتي استضافت بطولة كرة القدم الأمريكية الأحد- والسيناتور الديموقراطي اليساري جو فيترمان -العضو عن ولاية بينسيلفانيا المتأرجحة التي منحت ثقتها لترامب- والذي دعم انتخابه بعد تعرضه لجلطة كادت تودي بحياته وفرص ترشيحه- صقور الحزب الديمقراطي، وجميع الرؤساء السابقين من الحزب، ودعَم كمالا هاريس نائبة الرئيس السابق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. الأخير، سارع إلى التعبير عن دعمه المطلق لترامب فيما يخص ملف غزة، فيما الأول لم يتردد في معارضته، متعهدا بالتصويت ضده في المجلس إن أقدم ترمب على المضي فيما وصف «القنبلة الصوتية» خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الأسبوع الماضي.

ثمة استثناءات لما تعرف بالقبليّة السياسية -بالأحرى الحزبية- في بلاد العم سام. المعيار في هذه الحالة كانت علاقة فيترمان بملف إسرائيل والعلاقات الثنائية أكثر من جزئية ملف غزة وصنع السلام في الشرق الأوسط.

 اللافت أن كليهما ندد مثلا بالتظاهرات الطلابية التي خلطت بعض مظاهرها بين دعم الفلسطينيين والغزيين تحديدا ودعم حماس وحزب الله، وبين التنديد بالقصف الإسرائيلي، والمتسببين بإطلاق دائرة العنف والعنف المضاد، وبين التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين وإنكار معاناة المدنيين الإسرائيليين خاصة أهالي المخطوفين والتي بلغت حد إزالة ملصقات الرهائن وأسرهم من شوارع نيويورك. كلاهما -كندي وفيترمان- دعما مثلا القرار التنفيذي الذي وقعه ترمب بترحيل أي متعاطف مع حماس وحزب الله سواء من الطلبة الأجانب أو الزوار وقطعا من طالبي اللجوء أو الإقامة الدائمة سيما من ذوي أصول شرق أوسطية أو من دول مسلمة.

ثمة حاجة قصوى للاشتباك أمام الكاميرا أو خلفها، من على المنابر أو في الكواليس وحتى الخلوات، كتلك التي كانت تعقد في منتجعات وقصور أثرية في بريطانيا ودول اسكندنافية وقبرص ومالطا لمحاولة فهم الآخر والتفاعل معه إيجابيا بما يحفظ حق الخلاف في جزئيات، دون إطاحة ما تم بناؤه من إنجازات أو تخريب فرص ما يحمل المستقبل من آمال.

بورك الاستباقيون هم دائما خيرا من المستدركين، فليس كل ما فات ضاع وليس كل ما هو آت (في الجيبة) ولو دق كل مسؤول دعاية وعلاقات عامة أو ناشط أو مؤثر على صدره! خاصة أولئك المعروفين في أوساط المهنة باللغتين العربية والإنجليزية من ذوي البطاقات التعريفية الدوارة على المنابر والزوار دون اعتبار للحقيقة أو مراعاة لأوان طرحها لمواجهة ما تعرف بثقافة القطيع والأخطر منها أحيانا هواة التغريد خارج السرب للاستعراض والاسترزاق!



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

8816 المؤيدين

8420 المعارضين

8445 المحايدين

محايد لا نعم