الدينار.. كنز استثماري حسام عايش
يعتبر استقرار سعر صرف الدينار على مدار ثلاثة عقود؛ تغير فيها العالم والإقليم والأردن نفسه، إنجازاً استراتيجياً نقدياً ومالياً ومعيشياً يستحق ان يكون نموذجاً لانجازات اقتصادية واستثمارية واجتماعية، عبر استخلاص عبر ودروس هذا النجاح.
عربيا، ظل الدينار مستقراً كما عملات الدول الخليجية ليس بفعل ثروة كبيرة تدعمه بل بفعل المثابرة الاقتصادية والنقدية، حيث بذلت جهود كبيرة لتعويض عائد الثروة النفطية بعائد السياسات الناجحة، وردود الفعل المرنة والسريعة، وحتى الابتكار النقدي في بعض الأحيان، مما ساهم الى حد معقول باستقرار القوة الشرائية. وهو استقرار تفتقده عملات دول كثيرة ( ففي تركيا يبلغ معدل التضخم اكثر من 47% واسعار فائدة 50%، وفي الارجنتين وصل معدل التضخم في اذار 2024 الى287% ووصلت اسعار الفائدة الى 133% في 2023).
استقرار الدينار، لم يأتِ بدون كلفة، فجل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية ركزت على هدف استقراره بما في ذلك ربط حركة اسعار الفائدة المصرفية ارتفاعاً أو انخفاضاً أو تثبيتاً بتحركات اسعار الفائدة الأميركية؛ وبما لا ينسجم مع متطلبات الحالة الاقتصادية الأردنية في كثير من الأحيان، وكذلك برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، التي كان لها تداعياتها السلبية على مستويات المعيشة؛ ما حمل الاقتصاد والناس كلفا يتبين الآن ان كثيراً منها لم يذهب سدًى بل كرس نعمة الاستقرار هذه.
لذلك، يمثل الدينار، احد اعمدة القوة الاقتصادية سواء تعلق الامر بالاستقرار النقدي، او باصدار سندات لجمع التمويل من السوق المحلية ما يمثل خيارا للمستثمرين المحليين والخارجيين، او باعتباره وسيلة هامة لاستلام التحويلات المالية من المغتربين.
أيضاً، يعتبر الدينار، احد محركات العملية الاستثمارية، سواء عبر تقديم الحوافز للمستثمرين الخارجيين تتضمن حرية تحويل الأرباح بالدينار او الدولار، او من خلال ارتفاع ودائع الجهاز المصرفي الى 46 مليار دينار ، وارتفاع العائد على تلك الودائع بالدينار.
لدينا كنز استثماري اسمه الدينار المستقر- المدعوم باحتياطي اجنبي يتجاوز 21 مليار دولار ويتخطى احتياطي دول كبيرة كباكستان مثلا عند 14.8 مليار دولار ويقارب احتياطي دولة عالمية كالارجنتين عند 21.9 مليار دولار- الذي يمكنه ان يكون احد اهم ادوات الترويج لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوطينها، فهو يجعل من السهل التخطيط المالي طويل الأمد، ويسهل نمو التجارة الدولية؛ حيث يقلل من حاجة الشركات إلى التحوط ضد تقلبات سعر الصرف، ما يعني أن الشركات يمكنها إجراء صفقات دولية بسهولة أكبر، مما يزيد من الاستثمارات العابرة للحدود، ويزيد الاستثمارات طويلة الأجل مثل المشاريع العقارية والصناعية، بتمكينه المستثمرين تحديد التكاليف والأرباح دون القلق بشأن التقلبات المفاجئة في قيمة العملة.
وحتى يمكن النجاح باستثمار هذا الكنز، يجب تكريس الاستقرار المستدام لسعر صرف الدينار بما يستدعي المراقبة الدائمة لمؤشرات معادلة هذا الاستقرار من تضخم، واحتياطيات نقدية، وديون خارجية، والعرض والطلب على العملة، وسياسة نقدية بما فيها تحركات أسعار الفائدة، وميزان مدفوعات، ومعدلات نمو اقتصادي متزايدة.
استقرار الدينار، ليس مجرد سياسة نقدية، بل سياسة مالية واقتصادية وتجارية ومعيشية أيضا، تتضمن تكريس استقرار الاقتصاد الكلي والنظام التشريعي والضريبي، وتقليل الاعتماد على المنح والمساعدات والديون الخارجية، وتحقيق معدلات نمو تكون رفيقة بفرص العمل وتحسن مستويات المعيشة، وبالتالي درجات أعلى على المؤشرات العالمية الاقتصادية والاستثمارية وغيرهما، وبغير ذلك سنندم على امتلاكنا أداة استثمارية مهمة لم نحسن استخدامها.
نعم، العملة المستقرة تعتبر عنصراً جاذباً للاستثمار لأنها توفر بيئة آمنة، تقلل من المخاطر، وتعزز الثقة في الاقتصاد المحلي، وهي الوصفات الأساس لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء.
(الدستور)