ترامب قد يواصل (الضغط الأقصى) ضد إيران.. ولكن!-جلال حمام
أدت سياسات العقوبات القاسية التى انتهجها الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، ضد إيران، إلى نتائج مختلطة خلال الفترة السابقة، حيث تقدمت طهران نحو الحصول على الأسلحة النووية وعززت وكلاءها فى الشرق الأوسط.. ومع ذلك، يعتزم ترامب إعادة تطبيق سياسة «الضغط الأقصى» التى فرضتها إدارته السابقة ضد إيران، إذ خلال فترة ولايته السابقة، فرض عقوبات صارمة على صناعة النفط فى طهران، بهدف الضغط عليها لمنعها من تطوير برنامجها النووى، وتمويل الجماعات المسلحة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.. كما انسحب من الاتفاق النووى، الذى وقعته ست دول مع إيران، والذى كان من شأنه أن يُوقِف تطويرها البرنامج النووى، وأمر باغتيال قاسم سليمانى، الذى كان فى ذلك الوقت رئيسًا لفيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى.. ثم جاءت إدارة بايدن وخففت بعض الضغوط، فى سعيها لإعادة التعامل مع إيران.
وبحسب أشخاص مُطلعين على خطط ترامب، تحدثوا إلى صحيفة «وول ستريت جورنال»، تسعى الإدارة القادمة إلى تجديد استراتيجيتها السابقة، من خلال تثبيط صناعة النفط الإيرانية بسرعة، من خلال أساليب تشمل، ملاحقة الموانئ الأجنبية والتجار الذين يتعاملون فى النفط الإيرانى.. وكانت لهذه السياسات نتائج متباينة، حيث خنقت الاقتصاد الإيرانى، لكنها شجعت طهران على الاستمرار فى تعزيز التطوير النووى مع تعزيز وكلائها.. ولكن ليس من الواضح، إلى أى مدى يعتزم ترامب زيادة الضغوط على إيران.. وقال مسئول سابق فى البيت الأبيض، «أعتقد أنكم سترون العقوبات تعود، وسترون المزيد، دبلوماسيًا وماليًا، من محاولات عزل إيران.. أعتقد أن التصور السائد، هو أن إيران فى موقف ضعيف بالتأكيد الآن، والآن هى فرصة لاستغلال هذا الضعف».
مُتغيِّر جديد فى نهج ترامب تجاه إيران، هو التقرير الذى يشير إلى أن عملاء إيرانيين سعوا لاغتياله، هو ومساعدين سابقين له فى مجال الأمن القومى، بعد تركه منصبه، انتقامًا لاغتيال سليمانى، لذلك، فإن ميك مولروى، أحد كبار مسئولى البنتاجون لشئون الشرق الأوسط فى ولاية ترامب الأولى، يقول إن «الناس يميلون إلى أخذ هذه الأمور على محمل شخصى.. إذا كان سيتخذ موقفًا متشددًا تجاه أى دولة بعينها، أو خصوم رئيسيين محددين، فهى إيران».. بينما يرى بعض موظفى ترامب السابقين أنه على الرغم من الأعمال العدائية، قد يسعى ترامب إلى إبرام صفقة دبلوماسية مع إيران خلال ولايته الثانية.. وهنا، يعود مولروى إلى القول، بأنه «فى حين يُحب ترامب عقد الصفقات، فإنه لن يفعل ذلك.. إلا إذا كانت هذه صفقته».
لكن المؤكد، أن ترامب لا يبدو أنه يسعى إلى تغيير النظام فى إيران.. فوفقًا لبريان هوك، المسئول السابق عن ملف إيران فى وزارة الخارجية الأمريكية، ورئيس فريق انتقال السلطة الحالى فى الوزارة، فإن الرئيس المنتخب «ليس لديه أى مصلحة»، فى السعى إلى تحقيق مثل هذا الهدف.. ومع ذلك، قال هوك، الذى أشرف على سياسة الضغط الأقصى على إيران خلال إدارة ترامب السابقة، لشبكة CNN مؤخرًا، إن ترامب تعهد «بعزل إيران دبلوماسيًا وإضعافها اقتصاديًا، حتى لا تتمكن من تمويل كل أعمال العنف» التى يتحمل وكلاؤها مسئوليتها فى الشرق الأوسط.
وبعد انهيارها إلى مائتين وخمسين ألف برميل يوميًا، بحلول عام 2020 فى عهد ترامب، وصلت شحنات النفط الإيرانية إلى أعلى مستوى لها خلال ست سنوات، فى سبتمبر الماضى، حيث تفاوضت إدارة بايدن بشكل سرى مع طهران للإفراج عن مواطنين أمريكيين محتجزين هناك.. وبحسب المسئول الأمريكى السابق فى مجال الطاقة، روبرت ماكنالى، فإن الحظر الأمريكى على الموانئ الصينية، التى تستقبل النفط الإيرانى، من شأنه أن يخفض الصادرات الإيرانية بنحو نصف مليون برميل يوميًا، «سيكون ذلك بمثابة أقصى ضغط».. وقال مسئول نفطى إيرانى، إن «الوضع قد يصبح كارثيًا لصناعة النفط الإيرانية»، لأن طهران تبيع بالفعل النفط الخام للصين بخصم، حيث تعانى إيران من نقص الغاز الطبيعى الناجم عن سنوات من نقص الاستثمار.. ومع ذلك، يمكن أن تتحايل على تأثير العقوبات الأمريكية، من خلال تعميق الشراكات التجارية فى أماكن أخرى، وخصوصًا مع منظمة شنغهاى للتعاون، التى تركز على آسيا.. وهناك عامل آخر، من شأنه أن يؤثر على النفط الإيرانى، يتمثل فى احتمال شن إسرائيل هجومًا على منشآت الطاقة الإيرانية.. فقد هاجمت إسرائيل الجمهورية الإيرانية مؤخرًا، ردًا على وابل من الصواريخ أطلقته إيران على إسرائيل الشهر الماضى، لكنها لم تهاجم البنية الأساسية للنفط هناك، بسبب الضغوط الأمريكية.
وعلى النقيض من إدارة بايدن، فإن كبار مستشارى ترامب يؤيدون بشدة، توجيه ضربة إسرائيلية للبنية التحتية النووية وحقول النفط الإيرانية، حسبما قالت هيليما كروفت، كبيرة استراتيجيى السلع الأساسية فى شركة الوساطة الكندية آر. بي. سى. كابيتال ماركتس، وقال شخص آخر على اتصال بفريق الرئيس المنتخب، إن ترامب سيكون أقل ميلًا لمعارضة مثل هذه الضربة.
●●●
مع كل ما سبق، تبقى مفاتيح الحل لأزمات المنطقة، بما فيها إيران، مرهونة بقدرة ترامب على إنهاء الحرب، التى تعتمد على تفاصيل محددة، لم يُقدمها ترامب بعد؛ وعلى بنيامين نتنياهو، الذى يواجه ضغوطًا تمتد إلى ما هو أبعد من ترامب؛ وعلى تعريفات كلمتى «حرب» و«نهاية».. فعلى مدى أشهر، أثناء حملته الانتخابية، قال دونالد ترامب إنه يريد أن تنتهى الحرب فى غزة، بل ويقال إنه وضع جدولًا زمنيًا لإسرائيل لإنهاء حملتها ضد حماس فى الأراضى الفلسطينية، بحلول موعد تنصيبه.. كما حذر فى المؤتمر الجمهورى، من أن حماس سوف تدفع «ثمنًا باهظًا للغاية»، إذا لم تفرج عن رهائنها قبل العشرين من يناير القادم.. ولكن، هل تُترجم هذه الوعود الانتخابية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع؟.. وهل ستحقق عودة الرهائن، وهو الهدف الذى يتقاسمه الإسرائيليون واليهود من مختلف التوجهات السياسية؟.
وفقًا للخبراء فى سياسة الشرق الأوسط، فإنهم يتوقعون استمرار القتال بشكل أو بآخر على الرغم من تحذيرات ترامب.. وتقول شيرا إيفرون، المديرة البارزة لبحوث السياسات فى منتدى السياسات الإسرائيلى، وهى منظمة تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، «لقد انتهت الحرب فى غزة، والقتال العنيف، منذ أشهر.. وما لدينا الآن هو مقاومة للتمرد».. وأضافت «قد تقول إسرائيل: حسنًا، لقد أنهينا الحرب فى غزة، لكننا سنبقى هنا لمدة لا أعلمها، إلى عشر سنوات، حتى نتمكن من تسليمها إلى شريك موثوق به.. وهذا أمر قد يكون ترامب على ما يرام معه».
وقال مارك دوبويتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التى تفضل موقف المواجهة فى التعامل مع إيران ووكلائها، إنه يعتقد أن ترامب فهم أن إسرائيل ستواصل الاشتباك عسكريًا مع أعدائها.. وفى مكالمة هاتفية مع نتنياهو قبل الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، ورد أن ترامب قال لرئيس الوزراء، «افعل ما يجب عليك فعله».. ولا أعتقد يقول دوبويتز أن إدارة ترامب القادمة تعانى من أوهام مفادها، أن «إنهاء الحرب» يعنى فى الأساس عدم استمرار العمليات الإسرائيلية فى غزة أو فى جنوب لبنان أو ضد إيران.. أعتقد أن ما يتحدث عنه ترامب، هو عمليات برية كبرى فى لبنان وعمليات برية كبرى فى غزة.. ولكن، من غير الواضح، ما إذا كان ترامب سيعتبر الحرب قد انتهت، إذا استمرت العمليات العسكرية فى غزة ولبنان.. وكما هى الحال مع العديد من جوانب أجندته، لم يقدم الرئيس المنتخب سوى القليل من التفاصيل حول رؤيته لإنهاء الصراع فى الشرق الأوسط.
المتحدثة باسم الحزب الجمهورى، وهى يهودية، إليزابيث بيبكو، قالت لإذاعة إسرائيلية، «أود أن أقول، إنه يُتوقَّع منهم إنهاء الأمر بالفوز بنسبة 100٪، هكذا يُتحدث دائمًا عن إنهاء الحروب».. وعندما طُلِب منها أن تشرح كيف يمكن أن يأتى الفوز الحاسم بسرعة الآن، بعد أن خاضت القوات الإسرائيلية حربًا شاقة فى غزة لأكثر من عام، ألقت باللوم على إدارة بايدن فى منع اتخاذ إجراء «حاسم»!!.. ومن غير الواضح أيضًا، ما إذا كانت نهاية الحرب، فى نظر ترامب، ستشكل نهاية لما تبقى من حماس.. فقد كانت الجماعة، التى لا تزال تسيطر على غزة اسميًا، على الرغم من قتل السنوار وإضعاف قوتها على يد القوات الإسرائيلية، واضحة حتى الآن، فى أنها لن توافق على أى اتفاق لوقف إطلاق النار، يشمل إطلاق سراح الرهائن، دون وقف كامل للأعمال العدائية وانسحاب جميع القوات الإسرائيلية.. وأشارت إيفرون، إلى أن بايدن وهاريس كانا مُحدَّدين فى تحديد كيفية إنهاء الحرب.. ويشمل هذا الحل، إطلاق سراح الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فى غزة.. وفى المقابل، قالت إيفرون، «لست متأكدة من أننا نعرف أين سيكون ترامب ورفاقه».وقال جيريمى بن عامى، رئيس منظمة J Street جماعة الضغط اليهودية الليبرالية فى الشرق الأوسط، التى دعت إلى وقف إطلاق النار منذ أشهر، وأيدت هاريس وانتقدت حكومة نتنياهو إنه لا يستطيع التنبؤ بما إذا كان انتخاب ترامب، من شأنه أن يُعجِّل بإنهاء الحرب.. وقبل الانتخابات، قال بن عامى، إنه يعتقد أن نتنياهو يضع نفسه فى موقف يسمح له بإعلان النصر، إذا فاز ترامب، «إن الإجابة الصادقة هى من يدرى؟.. لا يوجد شىء اسمه سياسة خارجية متماسكة.. لا يوجد تماسك فى أى شىء يحدث حول دونالد ترامب، وليس لدىّ أى فكرة على الإطلاق عن سياسته بعد أربعة وسبعين يومًا، وأتخيل أنه ليس لديه أى فكرة أيضًا».. وقد ترك هذا مجالًا واسعا للمُطلعين فى الشرق الأوسط، للتكهن بما قد يفكر فيه كل من ترامب ونتنياهو، وأين قد يكون الفرق بينهما؟.