برنامج البترا في الليل.. خطوة نحو تعزيز الإيرادات وتوفير فرص استثمارية د. إسماعيل أبو عامود
في خطوة تهدف إلى تعزيز تجربة السائح في البترا، تم توقيع اتفاقية جديدة لتطوير البرنامج الليلي في البترا، حيث ستزداد أيام تشغيل البرنامج من 3 إلى 5 أيام في الأسبوع، مما يرفع عدد الأيام التشغيلية إلى 260 يومًا سنويًا. هذه الزيادة البالغة 66% في عدد الأيام تعني زيادة متوقعة في عدد الزوار والإيرادات، مما يحقق تأثيرًا مباشرًا وإيجابيًا على الجهات المنظمة للبرنامج.
تشير البيانات السابقة إلى أن حوالي 10-12% من السياح الذين يصلون إلى البترا يشترون تذكرة البرنامج الليلي. إذا استمرت هذه النسبة على حالها مستقبلا، فإن التوقعات تشير إلى أن الإيرادات الناتجة عن البرنامج ستشهد نموًا هائلًا بفضل زيادة أيام التشغيل وتحسين البرنامج. بموجب الاتفاقية الحالية، حيث من المتوقع ان تبلغ ايراداتة السنوية حوالي 8.2 مليون دينار عام 2025 اذا ما عادت السياحة الى سابق عهدها ، لترتفع إلى 13.2 مليون دينار بحلول عام 2030و ستحصل الجهة المنظمة على 50% من إجمالي الإيرادات، و على مدى عمر الاتفاقية، قد تتجاوز الإيرادات 400 مليون دينار، مما سيفتح الباب أمام استثمارات سياحية إضافية.
إلا أن هناك قلقًا من أن تتمركز هذه العوائد الهائلة في أيدي عدد اقل من اصابع اليد الواحدة دون إعادة استثمارها في مشاريع جديدة تخلق فرص عمل لأبناء المجتمع المحلي. خاصةً في ظل التحديات في جذب استثمارات خارجية أو توفير بنية تحتية جاذبة. لذا، فإن التنمية المستدامة في إقليم البترا تعتمد بشكل أساسي على أصحاب رؤوس الأموال المحليين، خاصة إذا كانت العوائد من الإيرادات متأتية من الشراكة المباشرة مع سلطة اقليم البترا.
يواجه اقليم البترا تحديات تنموية كبيرة مثل الفقر والبطالة والبنية التحتية المتدهورة. لذا، فإن المسؤولية تقع على عاتق المستفيدين المباشرين من عوائد السياحة للمساهمة في تحقيق تنمية شاملة تعود بالفائدة على جميع أفراد المجتمع. وينبغي توجيه جزء من هذه العوائد نحو استثمارات محلية تساهم في تنويع الاقتصاد وخلق وظائف جديدة، مثل إنشاء مشاريع رديفة للقطاع السياحي. حيث أظهرت الدراسات أن إنفاقات القطاع السياحي على المزودين لتوفير الاحتياجات التشغيليةتبلغ حوالي 11 مليون دينار سنويًا، مما يبرز الحاجة إلى توفير سلاسل تزويد محلية تعزز من الأثر الاقتصادي للإنفاق السياحي في المنطقة عبر تدوير الدينار دورات متعددة قبل مغادرته.
البتراء ليست فقط جوهرة سياحية لإقليم البتراء فحسب، بل هي العمود الفقري للسياحة الوطنية في الأردن، إذ تمتد آثارها المباشرة وغير المباشرة والتحفيزية لتشمل الوطن بأسره. تعتبر البتراء ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني عبر تعزيز مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي، والتي تصل إلى 15%. هذه الأهمية الكبيرة تجعل من البتراء ضمن أولويات جلالة الملك، الذي يوجه دائمًا نحو تطوير القطاع السياحي ويؤكد على الاستمرار في خطط الإصلاح الاقتصادي.
الإصلاح الاقتصادي الذي ينشدة جلالة الملك يعني تجاوز التفكير التقليدي والبحث عن حلول تنموية مبتكرة تضمن استدامة القطاع السياحي واستقرارة. بناء قطاع سياحي مستقر بالنسبة للمستثمر والسائح على حد سواء يسهم بالتالي في استقرار الاقتصاد الوطني. ولتحقيق ذلك، من الضروري تعزيز الصناعات المحلية المرتبطة بالقطاع السياحي، ففي البترا على سبيل المثال، يمكن العمل على إنشاء مصانع للألبسة المهنية لتزويد الجهات الرسمية والفنادق والمطاعم والمدارس والجهات الصحية بالزي المهني، أو إنشاء معامل أغذية تلبي احتياجات المطاعم والفنادقوشركات للدعاية و استثمار صناعة الافلام تليق وهذا المجال ، وغيرها من الصناعات الخفيفة.
وهنا أقترح على القطاع الخاص في البترا إلى إنشاء غرفة تجارة أو غرفة سياحة لتوحيد الجهود الاستثمارية وإنشاء منظومة لحماية القطاع السياحي في أوقات الأزمات. يمكن أن تتضمن هذه المنظومة صندوق مخاطر أو صندوق تكافل أو تأمين ضد المخاطر السياحية، مع إعادة استثمار جزء من هذه المبالغ او الاشتراكات لتوليد إيرادات إضافية، وتحديد قيمة التعويض في وقت الأزمة حسب نوع الاشتراك.
أما بالنسبة للاتفاقية الجديدة، فهي تثير تساؤلات حول مدى توافق توزيع الإيرادات مع أهداف التنمية المستدامة التي ينشدها جلالةالملك. كيف يمكن لمنطقة تعاني من تحديات تنموية جسيمة أن تستمر في توزيع الثروة بهذه الطريقة غير العادلة؟ وأين دور الجهات الرسمية في توجيه جزء من هذه الإيرادات لمشاريع تنموية تلبي احتياجات السكان وتحقق تطورًا ملموسًا في البنية التحتية والخدمات الأساسية؟ وهل من العدل أن تتركز هذه الثروة في أيدي عدد محدود بينما يُفترض أن تحقق التنمية توزيعًا مسؤولًا للثروة؟. عدد سكان البترا قد يصل الى اكثر من 70 الف نسمة بعد 25 عام من اليوم، وهنا يبرز سؤال، اين هي الخطط المرتبطة بالايرادات الحالية في تطوير المنتج السياحي لخلق فرص عمل للاجيال القادمة؟ هذه التساؤلات تستدعي مراجعة من الجهات المختصة لضمان توزيع الإيرادات واستثمارها لتعزيز التنمية المستدامة في الإقليم، بدلاً من تركيز الثروة في أيدي عدد محدد.