جريمة الإتجار بالبشر بين القانون وآلية التنفيذ
أيمن نصري
التعريف الدولي للإتجار بالبشر هو الاستغلال الجنسي باشكاله والعمل القسري خاصة للنساء والأطفال وتجارة الأعضاء ويتم ذلك من خلال تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، ويشمل الاستغلال استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرِّق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء وهذه العصابات تستقطب ضحاياها خاصة من النساء والأطفال من خلال إيهامهم بتوفير فرصة عمل كريمة يدر دخل مرتفع على أسر الضحايا والذين في الغالب يتم استهدافهم من أماكن فقيرة وبها نزاعات مسلحة وحروب داخلية.
لا شك أن جريمة الإتجار بالبشر أصبحت ظاهرة شديدة الخطورة تؤرق المجتمع الدولي وتتعاون العديد من البرامج والهيئات التابع للأمم المتحدة للقضاء على هذه الظاهرة وعلى رأسها منظمة العمل الدولية والمجلس الدولي لحقوق الإنسان واليونسيف والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وتسعي هذه المنظمات إلي التعاون مع الحكومات للحد من أنتشار هذه الظاهرة من خلال تقديم الدعم الفني والتدريب وحث الدول الأعضاء ال١٩٣ بالجمعية العامة بالإلتزام بتطبيق المادة ٥ من البروتوكول من خلال إصدار تشريع وطني لتجريم هذه الظاهرة الخطيرة مع التأكيد على مراعاة البعد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لكل دولة في لضمان تطبيق البروتوكول بشكل فعال ومؤثر للأسف الشديد تعاني المنطقة العربية خاصة في دول الصراع المسلح من انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية خاصة بعد ثورات الربيع العربي واستغلال هذه العصابات للثغرات الأمنية على الحدود وضعف التشريعات وانخفاض احتمالات كشف أمرها واعتقال أفرادها وهو الأمر الذي ساهم بشكل كبير في انتشار الجرائم الملحقة بالهجرة غير الشرعية وعلى رأسها الإتجار بالبشر إذ يمكن أن تتحول حالة الهجرة الغير مشروعة إلي حالة إتجار بالبشر إذ أن المهاجرين الذين يتم استغلالهم في أي مرحلة من العملية يمكن أن يصبحوا ضحايا إتجار بالبشر.
من المتعارف عليه أن ظاهرة الإتجار بالبشر لها نوعين النوع الأول هو العصابات المنظمة والتي تستهدف فئات معينة ويتم تهريبها من خلال شبكات انتقالات معقدة جدا يستخدم فيها اشخاصا خارجين عن القانون يشكلوا النواة لهذه العصابات وعلى رأسهم قباطنة القوارب والمرشدين والسائقين والأشخاص الذين يوفرون وثائق سفر غير قانونية وهذه النوعية من التشكيلات نجحت بعض الدول وعلى رأسها مصر في التصدي لمثل هذه النوعية من الجرائم والتي تهدد الأمن القومي الإقليمي وقد لاقت هذه المجهودات استحسان المجتمع الدولي وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي التي تعاني بشكل كبير من انتشار هذه الظاهرة في السنوات العشر الأخيرة
أما النوع الثاني من جريمة الإتجار بالبشر هو الفردي والذي يتم فيه استغلال الأطفال في العمل القسري وعلى سبيل المثال الأب الذي يسخر أولاده في أعمال التسول أو العمل القسري بهدف جني المال أو تزويج الفتيات القاصرات دون سن العشر سنوات وبرغم أن المادة ٦ من القانون ٦٤ لسنة ٢٠١٠ يجرم هذه التصرفات إلا أن تحقيق الإدانة في هذه النوعية من الجرائم صعب إلي حدا كبير بسبب صعوبة إثباتها نتيجة لضعف آلية تنفيذ القانون وانتشار العادات والتقاليد والموروثات القديمة الخاطئة خاصة فيما يخص تزويج الفتيات القاصرات.
وبرغم مجهودات الدولة المصرية المستمرة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة إلا أننا نحتاج إلي تعديل القانون ٦٤ لسنة ٢٠١٠ ليتماشى مع التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع في السنوات بما يضمن إدراج جميع أنواع جرائم الإتجار بالبشر تحت مظلة القانون خاصة الفردي منها مع استحداث آلية لتنفيذ القانون مفصلة تضمن بشكل كبير سد جميع الثغرات لضمان القضاء نهائيا على هذه الظاهرة.
الإعلام هو أحد أهم القوي الناعمة لذلك من المهم جدا تنفيذ حملات توعية وتثقيف تشرح فيها خطورة عمل الأطفال دون السن القانونية والتسول وزواج القاصرات وهذه الحملات تعد رادعا لما تسول له نفسه إرتكاب مثل هذه الجرائم سواء كانوا الأسرة أو وسطاء الإتجار بالبشر وفي نفس الوقت تقدم دور توعوي وتثقفي لمن يجهل بالقانون ويردخ تحت تأثير العادات والتقاليد الخاطئة.
وأخيرا أود أن أشير إلي أهمية إعادة تأهيل ضحايا عمليات الإتجار بالبشر وعلى رأسهم البنات القاصرات الذين يتم تزويجهم دون السن القانونية لأن الضرر النفسي والمعنوي الذي يحدث لهم يكون أسوء بكثير من الضرر الجسدي لذلك تكون هناك حاجة ملحة لإعادة التأهيل النفسي لهؤلاء الفتيات لضمان إعادة إدماجهم في المجتمع مرة أخري وإعادة بناء الثقة في التعامل مع الأشخاص وهي السياسية التي تنتهجها مؤسسات الدولة وتوليها أهتمام كبير ولكن الأمر يحتاج إلي توسيع دائرة إعادة التأهيل نتيجة لإرتفاع أعداد الضحايا مع توسيع دائرة التعاون مع منظمات المجتمع المدني في عملية التثقيف والتوعية وإعادة التأهيل النفسي والمعنوي لضحايا ظاهرة الإتجار بالبشر من الإطفال والنساء