لم يشهد زوراً لكنْ شهدوا بالزور عليه حسين الرواشدة
آخر نسخة من “الافتراء” على الدولة الأردنية، وصلتنا عبر بريد صحيفة عربية، نشرت تقريرا لكاتب من أبناء جلدتنا، يزعم فيه أن “جنرالات وأبناء عشائر وليبراليين ضد السلطة في الأردن ومع المقاومة”، لاحظ، هنا، أن الكاتب تعمد استدعاء ثنائية السلطة والمقاومة، وأسقط الحاضر على الماضي، ليذكرنا، ربما، بحقبة بائسة من تاريخنا، توافقنا على تجاوزها والتعافي منها، على الرغم مما حملته من أخطاء وآلام.
لاحظ، ثانيا، أن التقرير وضع الأردنيين، من خلال أهم العناصر التي تمثلهم، في مواجهة “متخيلة” مع الدولة الأردنية/ دولتهم، ثم تعمق أكثر لصناعة مفاصلة تاريخيّة وسياسية بين من أسماها (السلطة في الأردن) وبين المقاومة، لاحظ، ثالثا، أن الرسالة -غير البريئة- التي أراد أن يوصلها، هي التحريض ضد الدولة الأردنية، والتشكيك في مواقفها، ثم الإساءة إليها تحت عنوان مضلل هو خذلان المقاومة والتخلي عنها.
التقرير الذي أشرنا إليه، سلفا، لا يستحق الرد، فهو يشكل حلقة من سلسلة هجمات جاهزة ومقصودة ومكشوفة، مليئة بالسموم، والأسانيد المضللة، استهدفت بلدنا، وقد تكررت على ألسنة كثيرين اشتغلوا على خط “المقاولة”، لا “المقاومة”، لكن ما صدمني هو أن هذا الخطاب التزويري خرج من داخل مجتمعنا، وبأسماء كان بعضنا يظن أنها جزء من الضمير العام الذي يمثل بلدنا، حتى إذا جاء 7 أكتوبر انكشفت أمامنا الصورة على حقيقتها، وسقطت أوراق التوت عن أصحابها، وأصبحنا قادرين على التمييز بوضوح بين من يقف مع الأردن وبين من يترصد به العاديات.
لا أريد أن أزيد على ذلك، يكفي أن أشير إلى أن ثمة تيارا عابرا لحدود الدولة ومصالحها الوطنية العليا، وجد في الحرب فرصة ثمينة للتعبير عن رغباته وأهدافه، ولأنه غير مقتنع، أصلا، بالدولة وتاريخها ومواقفها، فإنه استبسل بتجريدها والدفع نحو إضعافها، ثم وضعها في سياق معادلات مغشوشة، تستند إلى “المقاومة” التي هي حق للشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة، لكنها ليست مركبا يمتطيه مناضلو الفنادق، ولا خيارا لدولة تعرف خياراتها، وتحدد مساراتها، وتقرر متى تحارب ومتى تسالم، وفق مواقيتها الوطنية التي لا يمليها عليها أحد.
لا تحتاج الدولة الأردنية لمن يدافع عن مواقفها، ولا لمن يُذكّرها بواجباتها تجاه اشقائها العرب، حيثما كانوا، التاريخ الأردني والحاضر مزدحمان بالصور المشرقة التي تثبت ذلك، وتدحض كل الافتراءات، وترد على أصحابها، الأردنيون، ايضاً، لا يقبلون أن يرفع أحد في وجوههم عصا التهديد والتخويف، أو يزرع بينهم وبين دولتهم أسافين المواجهة والصدام.
لا يوجد أردني أصيل يمكن أن ينحاز إلى طرف، أي طرف، ضد بلده، أو أن يضع أمامه مقاربة ما على أساس: مع المقاومة أو ضد الأردن، هذه المقاربة مزورة، تعكس أسوأ ما يمكن أن يخطر على البال من صور الجحود والبهتان، الأردنيون، بلا استثناء، مع الفلسطينيين، وكل شعب محتل يقاوم ويدافع عن أرضه وحقوقه، وهم، أيضا ودائما، مع الأردن مهما كانت خياراته، ومع دولتهم الوطنية يعتزون بها، ويحتشدون في إطار هويتها ومصالحها وثوابتها الراسخة.
أفهم، وأقدر، أن يدافع أي أحد عن قضيته، وأن يضحي من أجلها، وأن لا يسمح لأحد بالمساس بها، أو تجريحها، لكنني أستغرب حين يستخدم البعض أسلحتهم لضرب هذا البلد دون غيره من بلاد الدنيا، وحين يصرون على نكرانهم لكل ما قدمه لهم ولغيرهم، فلا يذكرونه بكلمة طيبة يستحقها، ولا يتصورونه إلا “حفرة” كتلك التي صنعتها الحروب من حوله، دون أن يكون له أي ذنب في ذلك.
أقول فقط: لا سامحهم الله هؤلاء الذين شهدوا بالزور على وطن لم يشهد زوراً في تاريخه ولا حاضره، لا سامحهم الله هؤلاء الذين يحاولون استدعاء أسوأ ما واجهنا من فتن وعاديات لكي يزرعوا بيننا ألغام الصدام والانقسام، أو أن يستفردوا بنا ليروجوا بضائعهم في سوق المزادات السياسية، على حساب الدم النبيل الذي يليق بالشهداء فقط، لا بـ”الشهود” الجالسين على الشرفات للهتاف والتصفيق، المنتظرين صفارة النهاية لتوزيع غنائم الانتصار، أو صكوك الاتهام والبراءة.