2024-04-19     عدد زوار الموقع: 3599446

عودة يكتب: مدى قانونية استيفاء الفوائد على معاملات الإقراض المدنية المحامي أيمن عودة

تتناول هذه المقالة الاحكام القانونية لاستيفاء الفوائد على معاملات الإقراض المدنية والتي يتم بموجبها منح قروض الى الافراد من غير البنوك ومن غير شركات التمويل الخاضعة لرقابة البنك المركزي أو مؤسسات الإقراض التي تقدم قروضاً وفقاً لأحكام قوانين خاصة أو قانون أجنبي أو اتفاقية دولية، وسوف تبين هذه المقالة أحكام الفوائد المترتبة خلال فترة القرض والتي حظرتها المادة (640) من القانون المدني الأردني لسنة 1976، كما سوف تبين أحكام الفوائد القانونية المترتبة على المبلغ المستحق الأداء الذي امتنع المدين عن أدائه بتاريخ استحقاقه عملاً بأحكام المادة (167) من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1988.

وتوضيحاً لهذا الموضوع، يجب التفريق ما بين الفترة الزمنية السابقة لنفاذ مفعول القانون المدني الأردني والفترة اللاحقة له.

أولاً- الفترة السابقة لنفاذ مفعول القانون المدني لسنة 1976:

قبل صدور القانون المدني في سنة 1976 فقد كانت مجلة الأحكام العدلية (العثمانية) التي صدرت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر هي القانون العام المنظم لأحكام المعاملات المدنية في الدولة العثمانية والمناطق الخاضعة لها وبما فيها الأردن، ولم تتضمن المجلة أي نص يجيز تقاضي الفائدة، إلا أنه إذا تناقضت أحكام المجلة مع أحكام أي قوانين خاصة، فقد كانت أحكام القوانين الخاصة هي الأولى بالتطبيق حتى ولو كانت أحكام تلك القوانين متناقضة مع أحكام الفقه الإسلامي، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

(1) نظام المرابحة العثماني:

لقد صدر هذا النظام في عام 1863، ثمّ تمت الاستعاضة عنه بنظام مرابحة حلّ محله في عام 1886، وقد أجاز هذا النظام استيفاء الفوائد على المداينات العادية والتجارية، أي لم تكن احكام الفائدة المترتبة بموجب أحكام هذا النظام مقتصرة على القروض المصرفية، وقد عيّن الحد الأعلى للفوائد في جميع المداينات العادية والتجارية بمعدل (تسعة في المائة) سنوياً.

وقد تم إعادة نشر نظام المرابحة العثماني (مترجماً عن اللغة التركية) في عدد الجريدة الرسمية الأردنية رقم 132، الصفحة 16، الصادر بتاريخ 1/7/1926، ولهذا النظام مرتبة القانون وفق اجتهادات محكمة التمييز.

(2) قانون الربا الفاحش:

إنّ قانون الربا الفاحش الساري المفعول هو القانون رقم (20) لسنة 1934 المكون من أربع مواد فقط، وقد ألغت المادة (4) منه بصورة صريحة المادة السادسة من نظام المرابحة العثماني والتي تمنع سماع الادعاء بتنزيل الفائض الفاحش لحدّه النظامي إذا كان المدين قد أدّى الدين تماماً وكانت المعاملة قد قطعت بين الدائن والمدين، وعملاً بأحكام المادة (2) من هذا القانون الربا يجوز سماع الادعاء بأنّ الفائدة المستوفاة عن الدين الحقيقي تزيد على المعدل القانوني حتى ولو قطعت المعاملات فيما بين الدائن والمدين وبدون أي قيد يمنع سماع هذه الدعوى.

(3) المادة (179) من قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم (42) لعام 1952:

لا تنطبق هذه المادة على معاملات الإقراض المدنية قبل حلول تاريخ استحقاقها، وانما تنطبق هذه المادة على التزام المدين بتأدية نقود في وقت معين إذا إمتنع عن ادائها عند حلول إستحقاقها، ففي هذه الحالة تترتب الفائدة القانونية على المدين دون ان يكلف الدائن بإثبات تضرره من عدم الدفع، واذا كان في العقد شرط بشأن الفائدة يحكم بما قضى به الشرط وان لم يكن هناك شرط بشأنها فتحسب هذه الفائدة من تاريخ الاخطار والا فمن تاريخ المطالبة بها في لائحة الدعوى.

وبناءً على النصوص القانونية المشار اليها اعلاه يتبين أنه خلال الفترة السابقة لصدور القانون المدني لسنة 1976، فقد كان من الجائز فرض فائدة بما لا يتجاوز (9%) سنوياً على المداينات العادية والتجارية، وكان من الجائز الادعاء بتجاوز الفائدة للحد القانوني (البالغ 9%) عملاً بالمادة (2) من قانون الربا الفاحش وبدون أي قيد يمنع سماع هذا الادعاء باعتبار أنّه قد تمّ إلغاء المادة (6) من نظام المرابحة العثماني بموجب المادة (4) من قانون الربا الفاحش.

ومع ذلك يتعين الإشارة إلى أن محكمة التمييز قد قضت في قرارها رقم (1161/1994) بعدم سماع دعوى للمطالبة باسترداد فوائد تزيد على الحد القانوني تطبيقاً لأحكام المادة (6) من نظام المرابحة العثماني، كما يتعين الإشارة إلى أنّ محكمة بداية اربد بصفتها الاستئنافية قد قضت في دعوى جديدة بالرقم (3434/2022) بأن قانون الربا الفاحش هو قانون لاحق لنظام المرابحة العثماني، واعتبرت أحكام قانون الربا الفاحش "أولى بالتطبيق كونها نص لاحق لنص المادة (6) من نظام المرابحة العثماني"، إلا أنّ هذا الحكم لم يُشِر الى إلغاء المادة (6) المذكورة بموجب المادة (4) من قانون الربا الفاحش.

ثانياً- الفترة اللاحقة لنفاذ مفعول القانون المدني رقم (43) لسنة 1976:

بصدور القانون المدني الأردني فقد أصبح هو المرجع الرئيسي في تنظيم المعاملات المدنية بدلاً من مجلة الأحكام العدلية، وتناول أحكام عقد القرض في المواد (636-646) منه، ونصت المادة (640) منه على أنه "إذا اشترط في عقد القرض منفعة زائدة على مقتضى العقد سوى توثيق حق المقرض لغا الشرط وصح العقد"، وبموجب هذه المادة فإنّ استيفاء الفائدة أو أي منفعة أخرى على مبلغ القرض يعتبر أمراً محظوراً من الناحية القانونية، وذلك مع ضرورة التوضيح بأنّ الفائدة المقصودة في هذه المادة هي الفائدة المشروطة في نصوص العقد والتي تحتسب على أساس المدة الزمنية المحددة تعاقدياً لسداد القرض.

- ولذلك لا أثر للمادة (640) من القانون المدني التي تحظر استيفاء الفائدة أثناء مدة القرض على المادة (179) من قانون أصول المحاكمات الحقوقية لسنة 1952 (والتي تمّ الغاؤها وحلّ محلها المادة 167 من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1988)، حيث أنّ هذه المادة الاخيرة تجيز استيفاء الفائدة القانونية (بنسبة 9٪) على المبلغ النقدي الذي امتنع المدين عن ادائه بتاريخ استحقاقه، وبحيث يتم احتسابها وفق ما تم الاتفاق عليه في حال وجود شرط تعاقدي، وإن لم يوجد شرط فتحتسب الفائدة القانوتية من تاريخ الاخطار العدلي بالمطالبة أو من تاريخ إقامة الدعوى، ولا علاقة لهذه المادة باستيفاء فائدة على مبلغ القرض خلال مدة القرض وقبل حلول موعد استحقاقه.

- كما يجدر التنويه إلى أن الفقرة الثانية من المادة (1448) من القانون المدني قد نصت على وجوب مراعاة أحكام القوانين الخاصة عند تطبيق أحكام القانون المدني، ومما يعني أن أحكام القوانين الخاصة تكون هي الأولى بالتطبيق عند تعارضها مع أحكام القانون المدني.

وبخصوص نظام المرابحة العثماني وقانون الربا الفاحش وفيما اذا كانا يعتبران من القوانين الخاصة التي لها أولوية في التطبيق على أحكام القانون المدني، فقد تغيّر الاجتهاد القضائي في الفترة اللاحقة لعام 2017 عما كان عليه الحال خلال العقود الأربعة الأولى لتطبيق القانون المدني.

العقود الأربعة الأولى لتطبيق القانون المدني ولغاية عام 2017:

لقد جاء في الحكم التمييزي رقم (798/2017) بشأن نزاع قام على دين فيما بين شخصين طبيعيين:

((وباستعراض المادة الثالثة من قانون الربا الفاحش رقم (٢٠) لسنة (١٩٣٤) فقد نصت على (في الإجراءات التي تقام لتحصيل دين وفي الإجراءات التي تقام بمقتضى الفقرة الثانية من هذا القانون يجوز للمحكمة أن تقبل البينة من أي شخص سواء كانت شفوية أو كتابية فيما يتعلق بمعدل الفائدة المستوفاة عن الدين بالرغم عما ورد في أي تشريع آخر من أحكام تتعلق بقبول البينات أو أهلية الشهود).
وحيث استقر اجتهاد هذه المحكمة، ومنذ صدور القرار رقم (123/1963) تاريخ 13/4/1963 على (تقبل البينة الشخصية ضد السند لإثبات الربا الفاحش عملاً بالفقرة ٤ من المادة 30 من قانون البينات) وبهذا المعنى جاء قرار محكمة التمييز رقم (310/1972) تاريخ 20/5/1972.
وحيث إن الطاعن تمييزا دفع الدعوى بلائحته الجوابية بأن المبالغ المذكورة في السندات المقدمة في الدعوى معظمها بل أكثرها فوائد ربوية فاحشة فيكون طلبه تقديم البينة الشخصية موافقاً لأحكام المادة (30/4) من قانون البينات مما يجعل من إصرار محكمة الاستئناف في غير محله لورود هذا السبب عليه))

ويتبين من هذا الحكم التمييزي أنّ المسألة المنقوضة هي إستيفاء فوائد ربوية فاحشة زيادة عن الحد الجائز قانوناً (البالغ 9%) وخلافاً لأحكام قانون الربا الفاحش، ومما يعني أنّه لم يتم تطبيق المادة (640) من القانون المدني التي تحظر تحقق أي منفعة للدائن المقرض، وانما تمّ تطبيق أحكام القانونين الخاصين (نظام المرابحة العثماني وقانون الربا الفاحش) اللذين أجازا استيفاء الفائدة بشرط عدم تجاوزها للحدّ القانوني واعتبار أنّ لهما الأولوية في التطبيق على أحكام القانون المدني عملاً بالفقرة الثانية من المادة (1448) منه.

التطبيقات القضائية اللاحقة لعام 2017:

يلاحظ بأنّ التطبيقات القضائية اللاحقة لعام 2017 قضت بعدم جواز استيفاء الفوائد على القروض غير المصرفية، ومن ذلك الاجتهادات القضائية التالية:-

- جاء في الحكم التمييزي رقم (275/2018) بأن المادة (640) من القانون المدني والتي تحظر استيفاء أي فائدة أو منفعة من عقد القرض واجبة التطبيق طالما أن المقرض ليس من ضمن البنوك أو مؤسسات الإقراض المرخص لها، وقد جاء في هذا الحكم ما يلي:

((وعن أسباب التمييز:
وعن السبب الأول ومفاده تخطئة محكمة الاستئناف من حيث ترتب آثار على عقد باطل لكونه يتضمن رباً فاحشاً،،
وللرد على ذلك نجد أن المشرع قد حصر الإقراض وتقاضي الفوائد القانونية بالبنوك ومؤسسات الإقراض المرخص لها بذلك المادة (٤٣) من قانون البنك المركزي رقم ۲۳ لسنة ١٩٧١.

كما نجد أن قانون البنك المركزي رقم (23/1971) المادة (٤٣)، ونظام المرابحة العثماني لسنة ١٩٢٦ المادة (٦)، وقانون الربا الفاحش رقم ۲۰ لسنة ١٩٣٤، وقانون التجارة الأردني رقم 12/1966 في مادته (١١٠)، وقانون أصول المحاكمات المدنية رقم (24/88) في مادته (١٦٧)، يجيز تقاضي الفوائد القانونية للبنوك ومؤسسات الإقراض المتخصصة في حين أن القانون المدني وفي مادته (٦٤٠) يعتبر شرط الفائدة في القروض غير معتبر، وفي الحالة المعروضة نجد:

1- إن طرفي الدعوى ليسا من فئة التجار أو من مؤسسات الإقراض أو البنوك.

2- إن تحديد الحد الأعلى والأدنى لمعدلات الفوائد ينطبق فقط على البنك المركزي ولا ينطبق على أحاد الناس (قرار تمييز حقوق رقم 2742/2013 و3003/2010).

3- إن الذي يحكم العلاقة بين الطرفين المادة (٦٤٠) من القانون التي تنص ((... إذا اشترط في عقد القرض منفعة زائدة على مقتضى العقد سوى توثيق حق المقرض لغا الشرط وصح العقد...)) قرار تمييز حقوق رقم (491/1966).

لهذا، وتأسيساً لما تقدم، ولكون المميز والمميز ضده من آحاد الناس وليسا من الجهات المرخص لها بالإقراض وتقاضي الفوائد وحيث تضمن الاتفاق بينهما شرطاً مخالفاً للنظام العام مفاده تقاضي فائدة بنسبة ١٥% فإن هذا السبب يرد على القرار المطعون فيه ويوجب نقضه من هذه الناحية.))

وبعدما امتثلت محكمة الاستئناف لقرار النقض وأعيد الطعن في نفس الدعوى أمام محكمة التمييز، فقد أصدرت حكمها رقمها (5147/2018) الذي أكّد على قرار النقض السابق رقم 275/2018 باعتبار أن: (المميز والمميز ضده من آحاد الناس وليسا من الجهات المرخص لها بالاقراض وتقاضي الفوائد)، وثمّ صدرت الاحكم التمييزية رقم 6477/2018 ورقم 6846/2019 ورقم 4519/2022 التي تمّ فيها التأكيد على أنّ المادة (640) من القانون المدني هي الواجبة التطبيق على معاملات الإقراض المدنية وليس أحكام نظام المرابحة العثماني أو قانون الربا الفاحش، ومن الممكن تعزيز هذه الاحكام التمييزية بموجب المادة (5) من القانون المدني التي أجازت الإلغاء الضمني للتشريع إذا اشتمل التشريع اللاحق "على نصّ يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع"، وبهذا الصدد يلاحظ إعادة تنظيم أحكام معاملات الإقراض المدنية حيث حظرت المادة (640) من القانون المدني اشتراط أي منفعة زائدة على مقتضى عقد القرض، كما تضمن القانون المدني أحكاماً عامة لقبض غير المستحق وبما يؤدي الى تمكين المقترض من استرداد أي فوائد دفعها طالما انها غير جائزة قانوناً، كما يلاحظ بأنّ المادة (167/4) من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1988 لم تكتفِ بالإشارة الى الحدّ القانوني للفائدة وانما حددتها بنسبة 9% ونصّت على عدم جواز تجاوز هذه النسبة.

وعليه، نخلص مما تقدم إلى ما يلي:

• أنّ المحاكم غير ممنوعة من سماع الدعوى باسترداد الفائض الفاحش أو الفوائد غير القانونية بداعي انقطاع المعاملة فيما بين الدائن والمدين لأن المادة (6) من نظام المرابحة العثماني قد أصبحت ملغاة بموجب المادة (4) من قانون الربا الفاحش لسنة 1934، وأن قانون الربا الفاحش هو القانون الخاص اللاحق والأولى بالتطبيق، وقد أجازت المادة (2) من هذا القانون إقامة الدعوى للمطالبة بالمبالغ المؤداة زيادة على معدل الفائدة الذي يجيزه القانون.

• إذا استقر الاجتهاد القضائي وفق ما جاء في الأحكام التمييزية رقم 275/2018 و5147/2018 و6477/2018 و6846/2019 و4519/2022 والصادرة جميعها عن هيئات تمييزية عادية، وإذا لم يكن القرض ممنوحاً من شركة تخضع لرقابة البنك المركزي أو ممن يقوم بمعاملات الإقراض بموجب أحكام قانون خاص أو بموجب أحكام قانون أجنبي أو اتفاقية دولية، ففي هذه الحالة ستخضع معاملة الإقراض المدنية لأحكام المادة (640) من القانون المدني التي تحظر استيفاء أي فائدة أو منفعة زائدة لغاية تاريخ استحقاق مبلغ القرض، ويترتب على ذلك أنّ شرط ترتب الفائدة قبل حلول تاريخ الاستحقاق يعتبر شرطاً باطلاً، ومما يفتح المجال امام المدين لاسترداد أي مبالغ دفعها على حساب هذه الفائدة الباطلة.

• أما في حالة عدم قيام المدين بأداء القرض عند حلول تاريخ استحقاقه، ففي هذه الحالة تطبق عليه أحكام الفائدة القانونية بنسبة 9٪ حسبما هو منصوص عليه في المادة (167) من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1988.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

3393 المؤيدين

2952 المعارضين

2782 المحايدين

محايد لا نعم