2024-04-25     عدد زوار الموقع: 3641841

تفريغ النواب للأعمال البرلمانية أ. د. ليث كمال نصراوين

أشار رئيس مجلس النواب في آخر ظهور إعلامي له إلى ضرورة تفريغ النائب لدوره الرقابي والتشريعي ليكون بعيدا عن شبهات التقاء المصالح وتعارضها. ومن مظاهر هذا التفرغ أن يحظر على النائب ممارسة أي عمل تجاري أو مالي أثناء وجوده في السلطة التشريعية، أو أن يكون عضوا في مجلس إدارة أي شركة تجارية، أو أن يتقاضى راتبا من أي جهة مهما كانت.

إن مناصري هذا المقترح يستندون إلى حجج دستورية منطقية تتمثل بأن الوزير يحظر عليه ممارسة أي مهنة أو عمل خلال عضويته في الحكومة عملا بأحكام المادة (44) من الدستور، وأن القاضي يفرض عليه الحظر ذاته باعتباره موظفا عاما، واستنادا لأحكام المادة (16) من قانون استقلال القضاء التي تنص على أنه «لا يجوز للقاضي الجمع بين وظيفة القضاء ومزاولة الأعمال التجارية أو عضوية مجلس إدارة أي شركة أو مؤسسة أو سلطة، أو أي وظيفة أو مهنة أخرى».

وعليه، فإن القيد الوارد بحظر الأعمال التجارية والمالية على أعضاء السلطتين التنفيذية والقضائية يبرر القياس عليه وفرضه على أعضاء السلطة التشريعية، وذلك لاتحاد العلة المتمثلة بضمان أقصى درجات الحيادية والشفافية في العمل العام، وللحفاظ على الثقة الشعبية بهذه السلطات الدستورية.

في المقابل، قد يتمسك البعض بالاختلافات الدستورية بين كل من الوزراء والقضاة من جهة والنواب والأعيان من جهة أخرى، والتي تتمثل بأن كلا من القضاء والوزارات تعد مرافق عامة تقدم خدمات وأنشطة عامة للمتعاملين معها، مما يبرر اعتبار العاملين فيها موظفين عموميين يفترض بهم التفرغ لأعمالهم الوظيفية.

أما أعضاء السلطة التشريعية فلا يعتبرون موظفين عموميين لغايات فرض الحظر على أعمالهم التجارية. فمجلس الأمة لا يعد مرفقا عاما، وأن ما يتقاضاه النائب والعين مقابل ما يقوم به من أعمال تشريعية ورقابية قد سماها المشرع الدستوري مخصصات العضوية وليس رواتب شهرية. وهذا ما أكدت عليه المحكمة الدستورية في عام 2014 عندما فسرت نصوص الدستور، واستخلصت منها نتيجة مفادها أن النائب والعين لا يعتبر موظفا عاما لغايات استحقاقه رواتبا تقاعدية.

ومع ذلك، فإن عدم اسقاط صفة الموظف العام على أعضاء السلطة التشريعية لغايات حرمانهم من ممارسة الأعمال التجارية لا يعني بأن حال من الأحوال عدم فرض قيود وضوابط على ما يقومون به من أنشطة ومشاريع مالية أثناء عضويتهم في مجلس الأمة، وذلك لتفادي أي تعارض بين المصالح المالية الخاصة بهم ومسؤولياتهم الدستورية.

وفي هذا الإطار، نجد بأن التشريعات النيابية ابتداء والقوانين الوطنية قد جاءت قاصرة عن توفير حماية كافية من خطر استغلال النواب لعملهم النيابي لتحقيق منافع مالية خاصة بهم. فمدونة السلوك النيابي قد أوردت أحكاما عامة تمتاز بالقصور وعدم الشمولية، حيث اكتفت المادة (4) منها بالنص على ضرورة أن يراعي النائب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وألا يتبنى أي موضوع فيه جر منفعة سواء أكان ذلك داخل المجلس أم خارجه.

وكذلك الحال بالنسبة للقوانين ذات الصلة، وفي مقدمتها قانون الكسب غير المشروع. فهذا التشريع رغم أهميته القصوى في ضمان الكشف عن المصالح المالية الخاصة للنواب ومدى تأثرها بمناصبهم التمثيلية، إلا أنه يعوزه التطبيق الفعلي الحقيقي.

فمنذ أن تقرر الالتزام القانوني على النواب بتقديم نماذج إقرارات الذمة المالية الخاصة بهم وبزوجاتهم وأولادهم القصّر في عام 2006 بموجب قانون إشهار الذمة المالية، مرورا بالقانون الحالي الذي تقرر تغيير مسماه فقط إلى قانون الكسب غير المشروع لعام 2014، لم تتم ملاحقة أي نائب لعدم التقيد بتقديم كشوفات الذمة المالية في مواعيدها القانونية، وبسبب استغلال منصبه النيابي لخدمة مصالحه المالية الخاصة به، رغم وجود شبهات لحالات عديدة تم الحديث عنها إعلاميا وشعبيا.

إن قانون الانتخاب بحلته الجديدة لعام 2022 قد وفّر وبطريقة غير مباشرة ضمانات تشريعية حقيقية ستسهم في الحد من استغلال النائب لمنصبه التشريعي وخدمة مصالحه المالية، وذلك من خلال تقريره للقائمة الحزبية الوطنية، التي ستفرز نوابا حزبيين سيكونون على ارتباط وثيق بالأحزاب السياسية المنتمين لها. فإذا حاول أي نائب عن القائمة الوطنية استغلال منصبه النيابي، يملك حزبه السياسي أن يقرر فصله من الحزب، وبالتالي يفقد مقعده النيابي لصالح المترشح الذي يليه من القائمة ذاتها التي فاز عنها.

إن هذا الحكم المستحدث سيكفل التزام نواب القائمة الوطنية بأقصى درجات النزاهة والحيادية في العمل النيابي، وذلك حرصا منهم على استكمال عضويتهم في المجلس النيابي. فزيادة عدد مقاعد القائمة الحزبية الوطنية عبر المجالس النيابية القادمة سيخفف من التخوفات الشعبية حول إساءة استعمال المنصب النيابي، ويقلل من الحاجة إلى تفرغ النواب للأعمال البرلمانية.



شارك الخبر
استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

3585 المؤيدين

3140 المعارضين

2973 المحايدين

محايد لا نعم