2025-10-15     عدد زوار الموقع: 6124853

إذا بحكي بضر حالي! ابراهيم عبد المجيد القيسي

العنوان بحد ذاته حقيقة ليست صادمة، بل واقعية، لكنها مؤسفة بكل المعايير، فالمعروف أن التعبير حق لكل الناس، حتى الأشياء، بما فيها الكائنات الأخرى، تمارس حياتها بشكل طبيعي، وكلها تنطق لأجناسها بلغات تفهمها، فتطلب مساعدة في حال الخطر، وتحذر الآخرين، وتنبّه السادرين في غيّهم وضلالهم، فتجد العصفور يغرد، وقد يكون يقرأ نشرة أخبار للعصافير الأخرى، أو يوجه مواعظ وحكما، وربما يتلو بيانا عن مجلس عائلة الصيصان وأعشاشهم وغاباتهم وشؤونهم.. حتى إن النباتات تزهر وتثمر ثم يتلون الثمر، كتعبير عن النضج.. فلماذا لا يستطيع الإنسان العادي أن «يحكي»، ويخشى الضرر من الكلام؟!.. وهذا سؤال ساذج بالطبع.

في البلدان الحرة، والمحترمة، لا قيود على الكلام، لكن له قوانين وأصول، وثقافات متحضرة، فالشتائم ألفاظ محكية، والكذب كذلك، والتشهير والنميمة، وللألسنة «حصائد»، يكبكب أصحابها في أعماق الجحيم وهذا حكم ربّاني عادل، و»رب كلمة أودت بحياة قائلها».. فالعنوان حقيقة كبيرة، يفهمها كل حسب وعيه وثقافته، ومهنة الصحافة كشف الحقائق للناس، وبعضنا يكشفها بلا أدنى اعتبار حتى لو تسببت في مشاكل كبيرة، وهذا يعني أن ليس كل الحقائق تقال في كل وقت.. فللكلام توقيت ومكان، ويكون حكمة ونعمة كبيرة، لو قيل في مكانه وزمانه، وتم توجيهه لسامع عاقل، لا سيما إن كان السامع يحمل مسؤوليات وأمانات عامة، فيسمع ويفهم ويدرك ويفكر ويحتكم للقانون .. ويقرر.

عن الصحفيين مثلا، بعضهم يعرف حقائق ولا يقولونها، ويعيشون مواقف تستدعي توظيف تلك الحقائق لمصالحهم الشخصية، أو لمصالح عامة، لكنهم لا يفعلون لأسباب وجيهة، فهم أيضا يخافون، ان يلحقهم او يلحق غيرهم الضرر من التحدث عن معلومات وحقائق، سيما إن كانوا يواجهون مجرمين او «عيال حرام»، وحين يكون الموضوع عاما، ربما يكون للكلام أثر على العامة او الجهات الرسمية وغيرها، وبعضهم أظهروا الحقائق، وماتوا، او تعرضوا لنكايات وكيديات ومشاكل، دمرت حيواتهم، علما أنهم نقلوا ونشروا حقائق وليست أكاذيب.. وأفضلهم من كتم الحقائق الصادقة الموثقة لأسباب وفوائد عامة، خشية على وطنه ومجتمعه، لا سيما حين تكون الحقائق سببا في اشتعال رأي عام، يتعاظم بدوره فيتنامى منه وحوله غضب ثم ارتباك، ثم فوضى وظلم لأفراد أبرياء أو بيوت أو مؤسسات وأوطان..

 «الكلام بوقته حلو».

الآن سأخبركم بحقيقة العنوان والمقالة كلها، وهي حقيقة موجعة لمن يتمتع بإحساس او عنده «مبدأ»:

العبارة نسمعها كل يوم، لكنني سمعتها حرفيا أمس صباحا، حين كنت أقلب الأشياء والشاشات على هاتفي، فإذا بأسير فلسطيني محرر، وفوق حياته وقلبه، فوجهه أيضا مكسّر، يخرج من حافلة تنقله مع أسرى آخرين، وأحد الفضوليين او الصحفيين أو المتأثرين.. يصور الأسير المحطّم الذي كان محكوما مليون سنة، ويسأله عن حاله، فأجابه الأسير «الصورة بتكفي، اذا بحكي بضر حالي ي عمي»، وهذه الحقيقة تكفي للقول بأن مقالتي عادية، وغير مهمة، ولا تهدد ولا حتى كلبا ضالا مسعورا يعتدي على الناس ويدمر حيواتهم او ينهيها، فهي حقيقة تتعلق بقضية فلسطين وبأسراها وشهدائها وآلامها.. يعني قضية لا يهتم بها أحد، ولا يكترث بقمع وتعذيب أبنائها، وأسرهم ظلما وتنكيلا، وقمعهم حتى عن التعبير عن اوجاعهم.

بلدك مدمّر، ووجهك مهشّم، ولا حقوق لك أيها السجين، وهذا يكفي ويغني عن أي حديث..

لا تحكي ي عمي ودع الظالمين يفعلون فيك وفي كل الدنيا ما يشاؤون.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

24313 المؤيدين

24165 المعارضين

24117 المحايدين

محايد لا نعم