2024-04-20     عدد زوار الموقع: 3606580

قريباً على بُعد، بعيداً على قُرب .. د. عبدالسلام المجالي د. جواد العناني

في آخر زيارتين قمت بهما للأخ الكبير وصديق العُمر الراحل، ولا أكاد أصدق إنني أقول «الراحل»، سألني مُتعجباً: «يا جواد.. إنني أراجع شريط حياتي وأتساءل كيف رسم القدر خطواتي ومراحل حياتي، لما درست الطب في الجامعة السورية، والتحقت طبيباً في الخدمات الطبية الملكية، تساءلتُ كيف دَعمني المرحوم جلالة الملك الحسين وزملائي لإرساء قواعد المدينة الطبية، ثم لا أدري كيف دخلت الحكومة وصرت وزيراً، ولم أفهم لماذا اخترت لأكون رئيساً للجامعة الأردنية، ثم دارت بي الدنيا لأقود الوفد الأردني إلى مفاوضات السلام، وانتهى بي العمل العام لأصبح رئيساً للوزراء مرتين.. من يدري ماذا ترسم له الأقدار».

ويقول لي: «يا جواد، تمهل.. (من استعجل الأمر قبل أوانه، عوقب بطول حرمانه)»..

كان صبوراً، صدره يسع الدنيا كلها، وبساطته سر قوته، وسر تفكيره المعقد «لا شيء في الحياة بسيط، ولكن علينا أن نذهب إلى السطر الأخير».. «دَعْ تعقيدك في تحليلك، ولكن عندما تحدث الناس، أو تطلب منهم أن ينجزوا أمرا، فاجعله بسيطاً واضحاً».

لم أرَ أدنى منه رجلاً للذين عملوا معه، غضب مرة من أحد اعضاء الوفد لأنه حذره ألا يفعل شيئاً، لكن عضو وفد المفاوضات الذي كان له رأي آخر سرَّب معلومة للصحافة ما كان يجب أن يسربها، فأنّبه وعاقبه، وذهبنا في اليوم التالي –هو وأنا– إلى عمان للقاء بالمغفور له بإذن الله الحسين، وبعد أن انتهى اللقاء، التفت جلالة الحسين إلى دولة الدكتور عبدالسلام وسأله: «كيف أداء عضو الوفد الفلاني؟ هل أنت راضٍ عنه؟». وادركنا أن الحسين كان على علم بما جرى مع عضو الوفد في واشنطن. فرد الدكتور عبدالسلام: «إنه يقوم بعمل متميز يا سيدي»، ولما خرجنا من الديوان الملكي العامر قلت له: كيف تمدح الرجل وقد غضبت عليه يوم أمس؟!. فقال: «يوم أمس ارتكب خطأ فعاقبته عليه، ولكن الرجل يقوم بعمله بشكل مرضٍ وجيد.. ألا توافقني الرأي؟».

كان يكره من يتأخر عن العمل، ومن يغادر غرفته دون أن يطفئ النور في الغرفة، كان مُنضبطاً بحكم تجربته العسكرية، وسمحاً بحكم أخلاقه، وسهلاً واضحاً في التعامل، ومُحباّ لمليكه، ومُخلصاً لأمته.

كم كان أخاً رائعاً لي، وله فضل عليّ، وأثر بذلك، ولكنني لا أذكر مرة أنه ألمح إلى ذلك ممتناً عليّ، بل على العكس، كان يشعرني بأني أنا الذي أخدمه أكثر مما هو ينفعني.

حزنه عميق صادق، يكفي إن عاتبك أن يرمقك بنظرة فيها تذكرة لك وكأنه يقول: «لم غبت عني؟.. ألا تعلم أنني أحب أن أراك»..

هذا الصديق الوفي والخل الأمين، لا يُنسى، وسيبقى في ذاكرة هذا الوطن أيقونة، «أنا من بني تميم، أحب أهلي في الخليل كما أعشق سهول الكرك، وتراب الياروت».

مات صديقي وأخي وأستاذي، ألف رحمة على روحه..




شارك الخبر
استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

3401 المؤيدين

2961 المعارضين

2793 المحايدين

محايد لا نعم