مشهد بائس يتطلب التدخل ماهر أبو طير
قبل سنوات طويلة كتبت عن تراجع جودة الحياة في الأردن، وأرفقت أدلة على ذلك نعيشها بشكل يومي، فاحتج رئيس وزراء سابق، لم يكن في موقعه يومها، وقال في برقية عاجلة مع مشارف الفجر عبر واتس آب بما معناه أنك كاتب صحفي متخصص في الشأن السياسي، وهذه القصص دون مستواك، فما علاقتك بكل هذه القصص، وعليك أن تترفع عنها.
تبسمت يومها، لأن الرئيس السابق يجلس في بيت معزول الزجاج، ولا يسمع ولا يعرف عما يحدث خارج منزله من فوضى عارمة حولت عمان وكل مدن المملكة الى ساحة مفتوحة لمن هبّ ودبّ، دون تنظيم، أو تنبه إلى أين يتم اختطاف المدن الأردنية والحياة فيها.
الذي كتبته يومها يستحق الإعادة، فهذا البلد بدلا من أن تكون لديه شركة حكومية استثمارية بيئية تتولى إعادة تدوير النفايات، وهي مؤكدة الربح، يتم ترك آلاف البشر لنبش الحاويات في الأردن، وما من حي في عمان وشقيقاتها إلا وتهاجمه سيارات متتالية، لنبش ما فيها، والقفز داخل الحاويات، والكل يريد البلاستيك او الخشب او الملابس القديمة، وقد قرأنا في تقرير سابق ان عدد النباشين في إحدى المحافظات بات يزيد على الألف، في مظهر غريب وكأننا في بلد منهار، ومع هؤلاء مئات السيارات التي تجوب الأحياء كل يوم، وتستعمل المكبرات ويصرخ أصحابها لمن يريد بيع غسالته التالفة، والحي الواحد تتزاحم عليه البكبات وتتنافس، شعبيا كان أم حياً ثريا، ولو كنت عربيا أو أجنبيا لما اشتريت شقة في عمان، أمام هذه المشاهد، التي تلحقها مشاهد سيارات الغاز التي تبث الموسيقا وتهين مؤلفها وعازفها، وسط سباق كبير بين البكبات على ذات الحي، برغم أخطار بيع الغاز بهذه الوسيلة، بسيارات متهالكة قديمة قد تسبب الأذى، في الوقت الذي نرى فيه دولا عربية كان بعضنا يطيل اللسان عليها من فرط غرورنا، تبيع ذات الأسطوانات عبر شبكات الهاتف، واتصال المواطن بالموزع الذي يريده، لا تلويث البلد، وإزعاج الناس، دون أن ننسى هنا عواصف بكبات الخضار، والفواكه، والمواد الكيماوية، وأحيانا هناك بكب متخصص في الطماطم، وآخر في البيض، وثالث مؤمن يغير بضاعته يوم الجمعة، ليبيعها أمام المسجد تاركا كل نفاياته أمام المسجد.
القصة ليست شخصية، هنا، لكنك حين تقرأ عن خطط تحديث جودة الحياة، والكلام عن تحسين مستويات العيش والمدن الذكية، ومدن المستقبل، وما يتعلق بالمزايا التنافسية والسعادة والرضى ومستوى المعيشة وأنماط الحياة، وتحسين نوعية الحياة من خلال تحسين نوعية السكن، والبنى التحتية والمرافق، وخدمات التنقل، ونوعية التعليم، والمرافق العامة والخدمات، وتعزيز تطبيق سيادة القانون، ندرك أنها ما تزال بعيدة المنال، فالحياة في المدن الأردنية تتراجع، فلا قانون يطبّق، وهناك ظواهر جديدة تتعاظم من تسونامي المتسولين على أبواب البيوت والإشارات المرورية وأجهزة الصراف الآلي، مرورا بعمليات البناء في الأردن التي تتواصل في الإجازات الأسبوعية، وفي الليل قبل النهار، دون أي قانون أو رقابة، فوق حفلات الزواج والتخرج والطهور التي يتم استباحة الأحياء بصوت مكبراتها.
هذه فوضى عارمة، تؤدي إلى تدني مستويات جودة الحياة، ونحن بشكل متدرج نتحول إلى مدن يفعل من فيها ما يريدون، فلا رقابة ولا قوانين، ثم نتحدث عن جلب الاستثمارات، وعن هدفنا بجلب من يشتري العقارات في الأردن من العرب والأجانب، ونترك الحياة في الوقت ذاته دون معيار، وكأننا وسط سوق شعبي يغرق في الضجيج، بل ونمعن أكثر ونقول إن علينا أن ندع هؤلاء ليترزقوا، ويعيشوا، لأن هناك أزمة اقتصادية، فيما كل المشهد يحفل بالعيوب أصلا.
ما بين رأي رئيس يطالبني بالترفع عن هكذا قصص، ورئيس حالي نتوقع منه أن يتدخل ويجمع كل الجهات المختصة من أجل لملمة هذه الفوضى وتلطيف الحياة على الأردنيين، وتحسين مستوياتها، لا بد أن يقال إن هكذا مطالعة تعد سياسية تستحق المعالجة والإثارة.
نريد هدنة من أجل السكينة أو النوم فقط.
(الغد)