نقابة الصحفيين مقياسا للحالة الوطنية بلال حسن التل
حالة من اللامبالاة بالعمل العام والقضايا الوطنية تسود المشهد الوطني، وهي حالة يمكن اعتبار اجتماع الهيئة العامة لنقابة الصحفيين الأردنيين الذي تأجل يوم الجمعة الماضية لعدم اكتمال النصاب القانوني نموذجاً للقياس عليه. أقول ذلك لأسباب عديدة، منها أنني لم أشهد مثل هذه الحالة منذ خمسين عامًا.
فقبل أسابيع دخلت عامي الخمسين في عضوية نقابة الصحفيين الأردنيين. يومها كنت في العشرين من عمري، ولعلي كنت أصغر أعضاء النقابة سنًا. في ذلك الوقت، كان الحصول على شرف عضوية النقابة يتطلب تجاوز عقبات عديدة، من الشروط المهنية والتفرغ للمهنة، والتحري الميداني عن توفر شروط العضوية بشكل كامل في المتقدم للعضوية. وكانت لجنة العضوية من أهم لجان النقابة، لذلك كانت النقابة قليلة العدد في عضويتها لكنها شديدة التأثير في الأحداث العامة. لهذا السبب كانت انتخابات نقيب ومجلس نقابة الصحفيين الأردنيين حدثًا وطنيًا، وكان يجري كمٌّ هائل من الاتصالات للتأثير في مواقف أعضاء النقابة من قِبل قوى سياسية ونقابية وحزبية. كما كانت العديد من أجهزة الدولة السيادية تستنفر لمتابعة انتخابات نقابة الصحفيين في كل مراحلها، وتعمل في مكاتبها يوم الجمعة، الذي كانت تجرى فيه الانتخابات، لمتابعة نتائج الفرز أولاً بأول نظرًا لأهميتها وأهمية شخصية نقيب الصحفيين الأردنيين.
أما الصحفيون أنفسهم، فكانت غالبيتهم الساحقة تنغمس بالكامل في العملية الانتخابية، وتقام غرف عمليات، واحدة منها كانت في مكتبي. وكان شيوخ الصحافة مثل الحاج جمعة حماد، وسليمان عرار، وحسن التل، ومحمود الكايد – رحمهم الله – يوجهون المشهد عن بُعد، حتى في الحالات التي يكون فيها أحدهم مرشحًا.
وكان هناك مفاتيح انتخابية من أشهرها وأهمها الراحل محمد أبو غوش، والمرحوم إبراهيم سكجها، والمرحوم عرفات حجازي في الحالات التي لم يكن فيها أحدهم مرشحًا لموقع النقيب، وكذلك الأستاذ راكان المجالي. ومن بين مفاتيح الانتخابات ونشطائها كان فايز حمدان، وعبد الله حمدان، وعمر عبنده، وعبد الوهاب زغيلات، وعوني بدر، ونايف مخادمة – أطال الله في أعمار الأحياء منهم ورحم من سبقنا إلى دار الخلود.
وكان جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – يحرص على لقاء نقيب ومجلس نقابة الصحفيين الجديد في الأيام الأولى لفوزهم، تقديرًا من جلالته لدور الصحافة، وللدور الذي كانت تلعبه نقابتهم داخليًا وخارجيًا.
كل هذه الذكريات والصور الجميلة تداعت إلى ذهني وأنا أراقب حالة اللامبالاة بانتخابات نقابة الصحفيين التي كان من المفترض أن تجرى يوم الجمعة الماضي، ولكن تم تأجيلها لأن نسبة الحضور للمشاركة كانت دون العشرة بالمائة من أعضاء الهيئة العامة للنقابة. والأخطر من ذلك والأكثر إيلامًا هو حالة اللامبالاة وعدم الاهتمام التي سبقت يوم اجتماع الهيئة العامة الذي تمت الدعوة إليه، حيث لم تُجرَ أي اتصالات أو مشاورات بين أعضاء الهيئة العامة، بل لم تتم اتصالات بين المرشحين وأعضاء الهيئة العامة، وهو أمر لافت ومؤلم، حتى ولو كان هناك إيمان بأن النصاب لن يكتمل، لأنه يدل على فقدان الأمل بالعمل النقابي على المستوى الوطني، بل وإلى تراجع الاهتمام بالعمل العام والهم الوطني. وهذا خلل خطير في منظومة الانتماء، ومنه الانتماء المهني وغيره من دوائر الانتماء من أصغرها إلى أكبرها.
انتخابات نقابة الصحفيين تصلح كنموذج للقياس عليه لمعرفة إلى أين وصلت حالتنا الوطنية واهتمامنا بالقضايا العامة في بلدنا.