2025-12-07     عدد زوار الموقع: 6190618

زيارات السفير: علاقات عامة أم استكشاف سياسي؟

حسين الرواشدة

بعد يومين من تقديم أوراق اعتماده لوزارة الخارجية (23 تشرين الثاني) اختار السفير الأمريكي في الأردن (جيم هولتسنايدر) مطعم «ريم البوادي» لتناول الغداء، لم يكن الاختيار-على ما يبدو- صدفة، المحطة الثانية كانت مضارب بني صخر لتقديم واجب العزاء، ثم امتدت الزيارات إلى معان والبتراء ومهرجان الزيتون والسلط مركز البلقاء، السؤال: هل أراد السفير أن يتعرف على المجتمع الأردني، وأن يبني صورة من الميدان، بعيدًا عن التقارير التي تصله، لطبيعة الأردنيين وأنماط تفكيرهم ومواقفهم السياسية تجاه بلده أولًا، وتجاه «قضايا الساعة» التي تراكمت منذ أكثر من عامين، أقصد الحرب على غزة وتداعياتها على الأردن والمنطقة؟

‏أكيد، زيارات السفير المُقرَّب من الرئيس الأمريكي «ترامب»، بما يحمله من خلفية عسكرية وسياسية، ومن خبرة طويلة في المنطقة، لا يمكن فهمها-فقط- في سياق العلاقات العامة والمجاملات الاجتماعية، أو تحت لافتة «واجباته الدبلوماسية»، أو حتى في سياق ما تقوله «الصورة» التي تعبّر أحيانًا أكثر من الكلام، وإنما تحتاج إلى فهم سياسي أعمق، يستند أولًا، وفي هذا التوقيت الملغوم بالأسئلة والتحولات، إلى قراءة أردنية مسطرتها المصالح العليا للدولة؛ هذه التي يجب أن تكون مُعرَّفة وواضحة للجميع، وتحديدًا في سياق تصنيف التحالفات والشراكات والأولويات (ناهيك عن التهديدات والمخاطر)، وعلى قاعدة أن الاستثمارات السياسية لا تقل أهميةً عن الاستثمارات الاقتصادية، في بلد يعاني من(شحّ) الاستثمارات.

‏لا يوجد-كما يكرر أكثر من مسؤول أردني- أي إشكالية بين عمان وواشنطن على صعيد العلاقات والتحالفات والمصالح المشتركة، ربما تعرضت لبعض الهزات في مراحل مختلفة، لكنها كانت، ولا تزال، «خيارًا» استراتيجيًا للطرفين، فيما قضايا المنطقة (أبرزها القضية الفلسطينية) هي التي كانت عنوان الاختلاف والتباين في المواقف، وهذا الاختلاف سيبقى معلّقًا بالقضية الفلسطينية التي يبدو أن واشنطن لا تضعها، الآن، على قائمة أولوياتها، وعليه لا بد من تأطير هذه العلاقة بين البلدين، خاصة في هذه المرحلة بالذات، وفق حسابات عنوانها الاستدارة للداخل الأردني، أو كيف نفكر ونتصرف أردنيًا، حيث حماية الأردن وضمان مصالحه واستقراره أولوية، وحيث تأكيد دور الأردن كحاضنة للعقلانية السياسية، وكفاعل وشريك أساسي في أي تفاهمات تتعلق بمستقبل المنطقة، هو المنطلق والغاية.

‏الدبلوماسية الشعبية جزء مهم من حركة الدولة، بشرط أن تدور في فلكها وتنسجم تمامًا معها، السفير، أي سفير،-في تقديري- يمكن أن يساهم في إيصال الرسالة التي يتلقاها ويقتنع بها إلى مراكز القرار في بلده، الأردنيون (بعكس بعض زوار السفارات من النخب التي انكشفت أجنداتهم) لديهم من الوعي الوطني ما يجعلهم يزاوجون بين كرم الضيافة وصدقية الخطاب والموقف، لا يوجد للأردن أي مصلحة في استعداء أي طرف، حسابات هذه المرحلة-بما تحمله من استحقاقات سياسية وتغيير في الخرائط والتحالفات وتقاسم مناطق النفوذ والقوة- تفرض على الدولة الأردنية بناء مواقف وقرارات محسوبة بدقة، ومحاولة «التكيف» مع كافة المستجدات بمنطق الاستثمار بالمتاح والممكن، وبما يتجاوز تحصيل الأرباح إلى التقليل من الخسائر، وبالتالي ترطيب العلاقة مع واشنطن، خاصةً في ظل إدارة ترامب، مسألة مهمة في هذا السياق.

‏لا مجال، الآن، أمام الأردنيين للتداول في أسواق المزايدات، أو الاحتكام لمنطق العواطف والانفعالات والشعارات، صحيح نحن ندعم أشقاءنا في غزة وفلسطين، نرفض هذه الحرب العدوانية عليهم، وندين من شارك فيها، الأردن كان الأصدق موقفًا، والأعلى صوتًا في العالم، للمطالبة بإنهاء الحرب، الملك قال ذلك في البيت الأبيض والبرلمان الأوروبي وفي كل عواصم العالم، هذه المواقف الأردنية الصلبة، لا تتعارض، أبدًا، مع أي علاقة أو تحالف بين الأردن وأي دولة في العالم ما دامت تصب في مصالحنا الوطنية العليا، اضطرارات الدولة وخياراتها قد تختلف، أحيانًا، مع آراء النخب ورغباتها، لكن عند الأزمات الكبرى واجب القوى السياسية الوطنية أن تؤجل خلافاتها مع السياسات العامة والحكومات، وتقف في خندق الدولة وتنحاز لخياراتها.

‏باختصار، زيارات السفير الأمريكي إلى «ربوعنا الأردنية» ربما تكون جزءًا من عمليات استكشاف سياسي، أو عملية جسّ نبض داخل المجتمع الأردني، تجد من ينتقدها أو يعارضها، لا بأس، لكن لا يوجد لدى الأردنيين ما يخجلون من قوله أمام السفير أو غيره، كما لا يوجد أي سبب للريبة من هذه الجولات، نحن الأردنيين-أو هكذا يجب- نتعامل مع دول العالم وسفرائهم في بلادنا بمنطق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، نرفض كل من يهدد بلدنا أو يتدخل في شؤوننا، ونمد أيدينا ونصافح كل من يقدّر بلدنا حتى يثبت العكس.




شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

27072 المؤيدين

26981 المعارضين

26866 المحايدين

محايد لا نعم