المستعمرة في خدمة المصالح الأميركية
حمادة فراعنة
الحلقة الثانية
حينما تقرر الولايات المتحدة موقفاً أو قراراً، لا تملك المستعمرة سوى الإذعان له، وتنفيذ الرغبات الأميركية وقراراتها، تلك هي الحصيلة التي يجب أن يفهمها كل من له صلة في صنع القرار لدى العالم العربي، ولذلك حينما التقى الرئيس ترامب مع قادة البلدان العربية والإسلامية الثمانية: الأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات وتركيا وأندونيسيا والباكستان في نيويورك يوم الثلاثاء 23/9/2025، حصلوا منه على قرارين هما: 1- لا احتلال لقطاع غزة، 2- لا ضم للضفة الفلسطينية، رضخ نتنياهو لقراري ترامب.
في عام 1956 حينما وقع العدوان الثلاثي: فرنسا وبريطانيا والمستعمرة على مصر، وجهت واشنطن رسالة شديدة اللهجة، واعتبرت الهجوم على مصر غير مقبول، ويهدد الاستقرار الدولي، واتخذ الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور قراراً مطالباً البلدان الثلاثة بالانسحاب الفوري، وحينما تلكأت المستعمرة، هدد بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، فاضطرت لسحب قواتها من سيناء وقطاع غزة بالكامل خلال الفترة الواقعة بين آذار مارس وحزيران يونيو 1957، وكانت هذه أول مرة ترضخ فيها المستعمرة لطلب الانسحاب تحت ضغط الولايات المتحدة.
في أعقاب الحرب على العراق عام 1991 وتدميره، على أثر خطيئته باحتلال الكويت، دعا الرئيس جورج بوش الأب إلى عقد مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991، ولكن رئيس وزراء حكومة المستعمرة إسحق شامير لم يتجاوب مع الدعوة.
كانت المستعمرة تسعى إلى طلب ضمانات قروض من الولايات المتحدة بعشرة مليارات دولار لمعالجة قضايا استيعاب المهاجرين الجدد، فاشترط بوش منح الضمانات مقابل تجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وتحرك وزير الخارجية جيمس بيكر، بضغط دبلوماسي، أرغم شامير على المشاركة في مؤتمر مدريد، الذي صرح انه سيبقى عشر سنوات في التفاوض بدون أن يقدم تنازلات، ومع ذلك رضخ وقبل ومهد ذلك لمفاوضات ثنائية فلسطينية إسرائيلية مباشرة، أدت إلى اتفاق أوسلو لاحقاً، والذي شكّل أرضية سياسية غير مسبوقة في التوصل إلى تسوية فلسطينية إسرائيلية، رفضها اليمين الإسرائيلي، ودفع ثمنها شركاء أوسلو بالاغتيال لكل من إسحق رابين وياسر عرفات، وأعاد شارون احتلال المدن التي سبق وانحسرت عنها قوات الاحتلال، إلى الحد أن اتفاق أوسلو الذي باستثناء وجود السلطة في رام الله، لم يعد هو المعيار والمرجعية التي يمكن البناء عليها.
في أعقاب مبادرة حركة حماس وعمليتها المميزة غير المسبوقة يوم 7 أكتوبر 2023، بالوقائع والتداعيات، أخفقت حكومة المستعمرة، حكومة نتنياهو، وجيشها وأجهزتها في تحقيق أهداف الحرب الثلاثة على قطاع غزة:
أولاً تصفية المقاومة الفلسطينية.
ثانياً إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بدون عملية تبادل.
ثالثاً تقليص الوجود الفلسطيني في قطاع غزة عبر القتل والإعاقة والتعطيل ودفع أهالي القطاع نحو الرحيل.
على خلفية هذا الإخفاق الإسرائيلي، تدخل الرئيس ترامب، وفرض وقف إطلاق النار على طرفي المواجهة يوم 9/10/2025: 1- المستعمرة، 2- حماس، ولان حركة حماس لها مصلحة في وقف إطلاق النار، لذلك استجابت لها مسرعة على خلفية نصائح الوسطاء القطرية والتركية والمصرية، ومصلحتها في حماية كوادرها وقواعدها بعد اغتيال قياداتها السياسية والعسكرية والأمنية، وإدراكها أهمية تخفيف الأعباء عن شعبها المعذب الذي تحمل ما لا يمكن تحمله من قتل وتدمير.
حكومة نتنياهو لا مصلحة لها في وقف إطلاق النار، خشية تعرض نتنياهو شخصياً للمحاكمة، تحت قرار تشكيل لجنة تحقيق كما أقرت المحكمة، ولهذا رضخ لقرار ترامب في وقف إطلاق النار، ولكنه يتهرب تحت حجج وذرائع مختلفة، ولكن الحصيلة التي يمكن التأكيد عليها أن حكومة المستعمرة بصرف النظر عن من يقودها، لا تستطيع رفض أي قرار أميركي، وها هو الرئيس ترامب يتم النظر إليه إسرائيلياً باعتباره أفقد المستعمرة كافة هوامش حرية الاختيار، وإذعان حكومة نتنياهو لما هو مطلوب منها أميركياً.








