2025-11-15     عدد زوار الموقع: 6164392

المستعمرة في خدمة المصالح الأميركية

ثمة تضليل للنفس، ومغالاة في التقييم، يعكس عدم الموضوعية، والابتعاد عن الواقعية، حينما نتعامل مع مضمون العلاقات الأميركية مع المستعمرة الإسرائيلية، إلى حدّ الذهاب أن اليهود يحكمون الولايات المتحدة أو يُجبِروها على تبنّي مواقف المستعمرة، ودعمها.

وحقيقةُ الأمر والواقع، أن المستعمرة تنفذ ما يُفيد المصالح الأميركية، أو يخدم الشراكة بينهما، أكثر من أي طرف آخر، ولهذا تقدّم واشنطن للمستعمرة كلّ احتياجاتها، وتجعل منها الطرف الأقوى في الشرق العربي، وتمنع عنها الهزيمة، وتوفّر لها أسباب التفوّق والقدرة على تحقيق النتائج والفوز في المعارك.

في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون مثلًا، وردًّا على مبادرة مصر وسوريا في حرب 6 أكتوبر عام 1973، يوم الغفران اليهودي، بدأتا هجومًا مفاجئًا على خطوط التماس ضد قوات المستعمرة المحتلّة، وقد فوجئت إدارة نيكسون أيضًا بالهجوم المصري السوري، حيث كان غارقًا بفضيحة ووترغيت.

كان الضغط والمفاجأة المصرية السورية مؤثرًا على قوات المستعمرة، فأطلق مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر قولته: «لن نسمح بهزيمة إسرائيل»، وهذا ما فعلته إدارة نيكسون حيث وفّرت المتطلبات العسكرية لتغيير موازين القوى على أرض المواجهة، وشكّلت واشنطن جسرًا جويًا بدأ العمل والنقل يوم 14 أكتوبر 1973، زوّد المستعمرة بكافة احتياجاتها، ونقل 22 ألف طن من الأسلحة والمعدات: صواريخ متعددة، دبابات، معدات اتصال، وقود، وتغطية استخبارية، ساعدت المستعمرة على قلب موازين القوى لصالح جيش المستعمرة، وهكذا لم يتم حسم المعركة لصالح الطرف المبادر في الحرب والهجوم: مصر وسوريا.

عن لبنان مثل آخر، كتب الصحفي الإسرائيلي كوبي ماروم تقريرًا نشرته قناة N12 الإسرائيلية ما يلي: «تعمل آلية الرقابة الأميركية، برئاسة جنرال في سنتكوم، بحيث تنقل إلى المستعمرة الإسرائيلية معلومات استخبارية دقيقة عن البنى التحتية، ومحاولات إعادة تأهيل حزب الله».

وسنتكوم هذه هي قيادة عسكرية أميركية يُناط بها مسؤوليات التخطيط وتنفيذ العمليات في منطقة العالم العربي وأجزاء من آسيا، تعتبرها واشنطن مناطق مهمة حساسة لخدمة مصالحها الاستراتيجية.

وهذه شكّلت ما يسمى المركز العسكري المدني، المعني بمراقبة عمليات وقف إطلاق النار في غزة وتثبيته، وقد وضعت مركز عملها منذ 17 أكتوبر 2025 في مدينة كريات جات في مناطق 48 المحاذية لقطاع غزة، ولديها 200 جندي أميركي لهذه المهمة، وتقوم إضافة إلى مهمتها الأساسية بمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بالعمل على تسهيل إدخال المعونات الإنسانية إلى قطاع غزة، والتنسيق بين مشاركة الدول والمنظمات المهتمة بتوفير متطلبات المساعدة لأهالي قطاع غزة.

وكما حصل عام 1973، في حرب أكتوبر، بمبادرة مصرية سورية، بادرت حركة حماس بعملية اقتحام لحدود عام 1948، وتنفيذ عملية 7 أكتوبر 2023 ضد مستعمرات مستوطنات إسرائيلية، شكّلت صدمة للمجتمع الإسرائيلي، ومفاجأة للمؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، فقامت بعمليات الرد بالقصف المركز الجوي والبحري والبري قبل عملية الاجتياح لقطاع غزة يوم 28 أكتوبر 2023.

وكما فعلت إدارة نيكسون الأميركية عام 1973 بدعم ومساندة المستعمرة، هذا ما فعلته إدارَتا الرئيس السابق بايدن، والرئيس الحالي ترامب، في تقديم كل أنواع الدعم والإسناد، حتى لا تتعرّض المستعمرة إلى الهزيمة، بعد الإخفاق والفشل الذي وقعت فيه، على أثر عملية 7 أكتوبر وتداعياتها، رغم ما فعلته من جرائم القصف والتدمير واستهداف المدنيين الفلسطينيين بالقتل، ومع ذلك أخفقت في تصفية المقاومة الفلسطينية، وفشلت في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بدون عملية تبادل.

إدارة ترامب شكّلت الغطاء السياسي، ومنعت إصدار أي قرار من قبل مجلس الأمن بوقف إطلاق النار ست مرات، وحالت دون إدانة المستعمرة على جرائمها، ونقلت المعركة من الميدان العسكري إلى الميدان السياسي لصالح المستعمرة، حتى تحميها من الهزيمة، وهكذا تعمل الولايات المتحدة خدمةً لمصالحها الاستراتيجية في منطقتنا العربية، بما فيها الحفاظ على مكانة المستعمرة وتفوّقها.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

25975 المؤيدين

25853 المعارضين

25778 المحايدين

محايد لا نعم