2025-07-20     عدد زوار الموقع: 5999305

خرائط شرق أوسطية.. ومساحات استراتيجية! خرائط شرق أوسطية.. ومساحات استراتيجية!

في زمن السيولة الاستراتيجية، وحين تصبح الخرائط وحدود الأوطان مجرد حبرٍ وخطوط على الورق، فإنّ إعادة تعريف المفاهيم تصبح أكثر من ضرورة؛

معروف أن الدبلوماسي الأميركي «جورج كينان»، الذي توفي في العام 2005، بعد أن أكمل عامه الأول بعد المئة، هو أول من تحدّث عن سياسة الاحتواء في العام 1946، وذلك في برقية «سرّية» أرسلها من السفارة الأميركية في موسكو، إلى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، حين كان يعمل هناك.

وفيما بعد، قام بتطوير تلك «البرقية السرّية» إلى دراسة مطوّلة، نشرها على هيئة مقال، في مجلة «فورين أفيرز»، التابعة لوزارة الخارجية، تحت عنوان «مصادر السلوك السوفياتي»، موقعاً مقالته باسمٍ مجهول هو «X». وبناء على تلك الدراسة، صاغ الرئيس الأميركي «ترومان» مبدأه الشهير المعروف باسمه.

غير أن «كينان»، مهندس سياسة «الاحتواء»، تخلّى عن تلك الفكرة، بعد أقل من عامين من اقتراحه وطرحه لها (1948)، بدافع تغير الأوضاع الدولية، وداعياً إلى تبنّي أسلوب المفاوضات والحوار مع الاتحاد السوفياتي. كما عارض تلك السياسة «وولتر ليبمان»، الصحفي الأميركي الأشهر، الذي وصفه «روزفلت» بأنه «عبقري الجيل الجديد»، وصاحب كتاب «الحرب الباردة؛ 1947»، حيث كان هو أول من استعمل ذلك التعبير، في وصف الصراع الدائر بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبين الاتحاد السوفياتي، ومباشرة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية «أوزارها».

وعلى الرغم من ذلك، فإن إدارة الرئيس «ترومان»، بقيادة وزعامة وزير خارجيته «دين أتشسون»، تبنّت سياسة الاحتواء، واعتمدتها، وظلّت هي السياسة الأميركية المعتمدة، طوال سنوات الحرب الباردة. ولم يكن ذلك مقبولاً من قبل العسكريين الأميركيين آنذاك، فقد كانت لهم نظرتهم المختلفة، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وكانت تلك السياسة هي الأساس، الذي أُنشىء حلف «الناتو» بناء عليه، والذي عارضه كثيرون في أميركا.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يكون الوجود المتواصل، للقوات العسكرية الأميركية، في منطقة الشرق الأوسط وجوارها، قد تجاوز ما يزيد على تسع سنوات. وهي مدة تفوق في طولها أية مشاركة عسكرية أميركية في حرب عالمية، خلال قرنين ونصف القرن تقريباً، أي منذ استقلالها تقريباً (1776م). بل وأكثر من ذلك، فإنها أطول من مجموع المشاركة الأميركية في الحربين العالميتين الأولى والثانية معاً. فهل يعني ذلك للاستراتيجيين شيئاً..؟

الاستراتيجيون العسكريون الأميركيون، قالوا كلمتهم في المسألة قبل أكثر من ثمانين عاماً، وقبل أن تتبنّى إدارتهم السياسية «الاحتواء» كاستراتيجية صراع، فاقترحوا، خلال الحرب العالمية الثانية، إنشاء «مساحة استراتيجية شرق أوسطية»، بينهم وبين خصومهم.

فإذا صحّ القول بأن «الحرب شأن أخطر من أن يُترك أمره للعسكريين»، فإن الوقائع العسكرية الأميركية الحديثة في الشرق الأوسط تقول: بأن السياسة الاستراتيجية شأن أخطر من أن يُترك برمّته للسياسيين، وخصوصاً الهواة منهم..

وهنا، يبدو أن ما تعتمده واشنطن وحلفاؤها، في أكثر من منطقة في العالَم، هو أخطر بكثير من تسميته بـ«احتواء أو حرب باردة». شيءٌ، يفرض العودة إلى تأمّل مفهوم العسكريين من جديد حول الـ«مساحة الاستراتيجية الشرق أوسطية»..! سيّما، وأن أصواتاً إقليمية تتعالى اليوم أكثر من غيرها بإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، وتصحيح ما أخطأته خرائط سايكس بيكو!



شارك الخبر
استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

19009 المؤيدين

18810 المعارضين

18737 المحايدين

محايد لا نعم