2024-04-23     عدد زوار الموقع: 3632414

إدامة الأردن ليس خيانة لدم الفلسطينيين ماهر أبو طير

غالبية الدول العربية والإسلامية تواصل حياتها كالمعتاد ولم تتأثر بما يجري في غزة والضفة الغربية والقدس، وربما يمثل الأردن نموذجاً مختلفا يستحق التحليل مقارنة ببقية هذه الدول.
في أسباب التأثر كلام معروف، من القرب، والتاريخ والجغرافيا، والتداخل الاجتماعي والمخاوف من تمدد الحرب، والتركيز على سيناريوهات التهجير، وغير ذلك، كما أن التأثر المعنوي والوطني يبلغ مداه الأعلى مقارنة ببقية الدول العربية والإسلامية في دليل على طهارة معدن الناس في هذا البلد، وهم الذين يتعلقون بكل قضاياهم في العراق وسورية وفلسطين وغير ذلك.
بالمقابل حين تجالس زوارا قادمين من الضفة الغربية والقدس، يتحدثون لك بطريقة مختلفة، وهم الأقرب إلى غزة، عن ضرورة أن يبقى الأردن حيوياً ومستقراً، وألا تتوقف أشكال الحياة فيه، لأن للأردن أيضا حياته وشعبه وأولوياته ومصالحه، دون أن يفرط بموقعه ووجوده وسط هذا الإقليم إلى جانب جواره العربي في هذه المحن، ويضرب هؤلاء أمثلة عن استمرار الحياة بشكل طبيعي قدر الإمكان حتى في الضفة الغربية والقدس ومناطق فلسطين المحتلة عام 1948، في سياقات إشاراتهم إلى أن الحياة لم تتوقف حتى داخل فلسطين، ولا حتى داخل قطاع غزة المبتلى بالذبح والجرائم والدم، لكن التجارة مثلا ما تزال قائمة، والناس يكافحون حتى يبقوا على قيد الحياة، ويعرفون بالفطرة أن الاستسلام لليأس والركود والخوف أمر تريده إسرائيل أولا.
ابتكار معادلة تسترد الحياة في الأردن بشكل طبيعي قدر الإمكان، دون إدارة الظهر لقطاع غزة، عملية ممكنة، فلا أحد يريد أن يتضرر الأردن أيضا، خصوصا، أن أي ضرر على الأردن على الصعيد الداخلي يصب لصالح مخططات إسرائيل الاستراتيجية، التي تريد أن تبقى شعوب جوار فلسطين هشة ضعيفة بلا مستقبل، ولا حاضر، وأن نبقى بلا خطط لمواجهة كثير من التحديات والظروف الصعبة التي تمر بها كل هذه المنطقة، منذ سنوات طويلة أصلا.
الذي يتابع شؤون الدول العربية والإسلامية يكتشف أصلا أن ملف قطاع غزة خارج تغطية أغلب هذه الدول وشعوبها، والتعاطف شكلي، فيما شؤون الحياة المختلفة تسير بشكل طبيعي، والسؤال هنا في الأردن يرتبط بالحد الفاصل بين شعور الإنسان أنه يدافع أيضا عن وجوده واستمراره، وبين كونه لا يأبه بأهل غزة، ولا أوجاعهم، وهذا الحد الفاصل دقيق جدا، ويختلط الأمر على كثيرين، بحيث تبدو استعادة الحياة في الأردن، وكأنها خيانة لدم الفلسطينيين، مثلا، وهذا توهم، لأن الفلسطينيين ذاتهم يريدون أن يبقى الأردن قويا، طبيعيا، حيويا، لنفسه ولشعبه ولجواره أيضا، فماذا سيستفيد الفلسطينيون إذا شاهدوا الأردن يتضرر داخليا، خصوصا، أن المطلوب محدد وواضح، أي أن يتضرر الاحتلال وحده، ويدفع الثمن، وليس أبناء هذه الأمة.
في تصرفات كثيرة يبلور الأردنيون موقفا مهما مما يجري في قطاع غزة من المسيرات إلى المقاطعة وغير ذلك من إصرار على قطع كل العلاقات مع إسرائيل، ويتجنبون الكثير من الاحتفاليات حتى على المستوى الشخصي، وهناك أدلة كثيرة على أن قضية فلسطين هي قضية أردنية مباشرة، لكن المؤشرات الأعمق التي يتم رصدها تؤشر إلى ما هو أخطر من كل هذا، أي التراجعات الاقتصادية، والمناخات المعنوية السيئة، والشعور بعدم اليقين بشأن المستقبل، وحالة الترقب التي تجمد كل شيء، وعلينا أن ننتبه هنا إلى أن هذا كل ما تريده إسرائيل أصلا، أي معاقبة الشعوب العربية التي تناصر فلسطين، بوسائل داخلية، سببها عدم التمييز، أحيانا، بين الموقف المنتج لصالح فلسطين، والموقف الذي يتسبب بضرر داخل الأردن، وكأننا نعاقب أنفسنا، في سلوك يعتبره الفلسطينيون داخل الضفة الغربية والقدس، غير مفيد أساسا لأحد.
المطلوب هنا ليس إدارة الظهر لغزة، فلا عاش من يدير ظهره لها، ولكن المطلوب أن تكون أعيننا مفتوحة على الأردن، حتى يبقى، وهذا جهد شعبي، لا بد من إرفاقه بتدخل رسمي عميق لتحريك الداخل الأردني معنويا بشكل منطقي وعاقل، وتحفيزه اقتصاديا وسياسيا وحياتيا، دون أن نبقى أسرى لعقدة اتهامنا بكوننا ندير ظهرنا لغزة ولفلسطين، فلا أحد أقرب منا في هذه الدنيا، لفلسطين وأهلها وتاريخها.



شارك الخبر

استطلاع الأراء
هل تؤيد رفع اسعار الدخان وفرض ضريبة ؟

3532 المؤيدين

3093 المعارضين

2926 المحايدين

محايد لا نعم